تبادل الأراضي بين أوكرانيا وروسيا... باب للسلام أم شرارة لصراع أكبر؟

في ظل استمرار الصراع بين روسيا وأوكرانيا، ظهرت مقترحات لتبادل الأراضي كخيار محتمل لإنهاء الحرب. فقد اقترح الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، مبادلة أجزاء من الأراضي التي تسيطر عليها أوكرانيا في منطقة كورسك الروسية بأجزاء من الأراضي الأوكرانية التي تسيطر عليها روسيا. ومع ذلك، رفض دميتري ميدفيديف، نائب رئيس مجلس الأمن الروسي، هذا الاقتراح واصفًا إياه بـ"الهراء".
تفاصيل المقترح الأوكراني
وفي مقابلة حديثة مع صحيفة "الجارديان"، اقترح زيلينسكي، تبادلا للأراضي مع روسيا كوسيلة لإنهاء الحرب المستمرة. ويشمل هذا الاقتراح مبادلة المناطق التي تسيطر عليها روسيا في أوكرانيا بأجزاء من منطقة كورسك الروسية التي تسيطر عليها كييف. وذلك إذا نجح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في جمع البلدين على طاولة المفاوضات.
وحاليًا، تسيطر روسيا على ما يقرب من 20% من أوكرانيا، أي حوالي 112,000 كيلومتر مربع، بينما تسيطر أوكرانيا على حوالي 450 كيلومترًا مربعًا من منطقة كورسك الروسية.
وأضاف زيلينسكي: "سنقوم بتبادل إقليم مقابل آخر". كما أوضح أن أوكرانيا مستعدة للتخلي عن منطقة كورسك في روسيا، والتي سيطرت عليها منذ توغلها المفاجئ في الدولة المجاورة في أغسطس الماضي.
وعندما سئل عن المناطق التي تحتلها روسيا والتي ستطالب بها أوكرانيا في المقابل، أجاب زيلينسكي: "سنرى... لا أعرف، سنرى. لكن جميع أراضينا مهمة، ولا يوجد أولوية لمنطقة دون الأخرى".
وكانت روسيا قد ضمت شبه جزيرة القرم في عام 2014، ثم سيطرت على دونيتسك وخيرسون ولوجانسك وزابوريجيا في عام 2022، رغم أنها لا تسيطر بشكل كامل على جميع هذه المناطق.
توسط أمريكي
وتأتي تصريحات زيلينسكي في وقت صرح فيه ترامب بأنه سينهي الحرب المستمرة في أوكرانيا منذ ما يقرب من ثلاث سنوات قريبا. وقال ترامب إنه أحرز بعض التقدم بعد محادثات أجراها مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي قال له إنه "يريد وقف سقوط الضحايا في الحرب".
وكان مسؤولون في إدارة ترامب قد أقروا بأن روسيا وأوكرانيا ستضطران إلى تقديم تنازلات لإنهاء القتال.
وكان ترامب قد أعلن أنه سيرسل مبعوثه الخاص كيث كيلوج، المكلف بصياغة اقتراح لوقف القتال، إلى أوكرانيا.
الرد الروسي
وردا على ذلك، رفض دميتري ميدفيديف، نائب رئيس مجلس الأمن الروسي، هذه المقترحات ووصفها بأنها "هراء".
قال ميدفيديف، الذي شغل منصب رئيس روسيا في الفترة من 2008 إلى 2012، إن روسيا أظهرت أنها قدرتها على تحقيق "السلام من خلال القوة"، مشيرا إلى الهجمات الأخيرة بالطائرات المسيرة والصواريخ التي استهدفت كييف.
الموقف الأوكراني من الضمانات الأمنية
اشترط زيلينسكي الحصول على ضمانات أمنية قوية في حال توسطت الولايات المتحدة في اتفاق بين أوكرانيا وروسيا. وأكد أن أي اتفاق يفتقر إلى التزامات عسكرية صارمة، بما في ذلك عضوية الناتو أو نشر قوات حفظ السلام، قد يمنح روسيا الوقت لإعادة تجميع قواتها وشن هجمات جديدة.
وأضاف: "هناك من يقول إن أوروبا يمكنها تقديم ضمانات أمنية دون الأمريكيين، ودائمًا ما أقول لا".
وتشعر أوكرانيا بالقلق من أن أي اتفاق يخلو من التزامات عسكرية قوية، بما في ذلك عضوية الناتو أو نشر قوات حفظ السلام، سيمنح روسيا الوقت لإعادة تجميع قواتها وشن هجوم جديد على البلاد المجاورة.
المبادرات الاقتصادية لكسب الدعم الأمريكي
لإقناع الإدارة الأمريكية، عرض زيلينسكي على الشركات الأمريكية فرصًا اقتصادية مغرية للمشاركة في إعادة إعمار أوكرانيا. وأكد أن "من يساعدنا في إنقاذ أوكرانيا سيشارك في إعادة إعمارها مع الشركات الأوكرانية".
كما شدد على أهمية احتياطيات أوكرانيا المعدنية، مشيرًا إلى أن هذه الموارد القيمة يجب ألا تقع في أيدي روسيا، مضيفًا: "لدينا موارد طبيعية قيمة، ويمكننا أن نقدم لشركائنا فرصًا استثمارية جديدة. بالنسبة لنا، ستخلق هذه الفرص وظائف، وللشركات الأمريكية، ستوفر أرباحًا".
ردود الفعل الدولية والمحلية
وفي سياق متصل، أظهرت استطلاعات للرأي أن نسبة متزايدة من الأوكرانيين قد يكونون مستعدين للتنازل عن بعض الأراضي لتحقيق السلام. وفقًا لمعهد كييف الدولي لعلم الاجتماع، فإن 32% من المشاركين في الاستطلاع يوافقون على التنازل عن الأراضي لموسكو من أجل تحقيق السلام، مقارنة بـ10% في العام السابق.
بينما تتفاوت ردود الفعل الدولية على هذا الاقتراح. ففي حين أن بعض الدول قد ترى في تبادل الأراضي حلاً دبلوماسيًا محتملاً، إلا أن هناك قلقًا من أن مثل هذه الخطوات قد تؤدي إلى تصعيد الصراع أو إنشاء سوابق خطيرة في القانون الدولي. بالإضافة إلى ذلك، قد يُنظر إلى تبادل الأراضي على أنه تنازل عن السيادة الوطنية، مما قد يثير معارضة داخلية في كلا البلدين.
بالنظر إلى هذه التطورات، يظل تبادل الأراضي موضوعًا حساسا ومعقدًا، يتطلب دراسة متأنية لمواقف الأطراف المعنية وتداعياته المحتملة على السلام والاستقرار في المنطقة.