بين الأصول الروسية و الرد الصيني... هل يصل ترامب لتسوية في أوكرانيا؟

تثير سياسة الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب حول ملف العملية الروسية في أوكرانيا، توقعات بإمكانية التوصل إلى اتفاق تسوية سياسية في الفترة الأولى من ولايته؛ إذ أنه لطالما تفاخر بإمكانية حل الأزمة دون تقديم تنازلات كبيرة لروسيا التي ترى في انضمام أوكرانيا لحلف شمال الأطلسي (ناتو) تهديدًا وجوديًا لها.
والجمعة، رد المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف على تصريحات ترامب التي قال فيها إن الاستعدادات جارية لعقد اجتماع مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من أجل حل الأزمة، حيث أشار بيسكوف إلى أن "الرئيس أعرب مرارا عن انفتاحه على إجراء اتصالات مع قادة العالم بمن فيهم الرئيس الأمريكي، بمن فيهم دونالد ترامب"، مشيدًا بـ"استعداد (ترامب) لحل المشكلات من خلال الحوار".
وتابع بيسكوف "لا توجد شروط مطلوبة، ما هو ضروري هو الرغبة المتبادلة والإرادة السياسية لحل المشاكل من خلال الحوار"، وهو ما قال إن الرئيس الأميركي المنتخب يتحلى به، قائلاً إن " دونالد ترامب يظهر رغبته في حل المشاكل من خلال الحوار. ونحن نرحب بذلك... وننطلق من رغبة متبادلة في اللقاء"، مؤكدا عدم وجود أي خطط محددة لإجراء حوار حاليا
تداعيات الرفض الروسي
اقترح كيث كيلوج، المبعوث المعين من قبل ترامب لأوكرانيا، أن رفض روسيا للسلام سيؤدي إلى زيادة كبيرة في الدعم العسكري لأوكرانيا. لكن موقف ترامب كان أكثر ترددًا، بيد أن العديد من من مستشاريه الآخرين يفضلون تقليص أو حتى إنهاء حصة الولايات المتحدة الكبيرة من المساعدات المقدمة لأوكرانيا، والتي تشكل حوالي 45% من إجمالي الدعم عبر الأطلسي.
علاوة على ذلك، ترغب الدائرة المقربة من ترامب، بما في ذلك إلبرج كولبي، المرشح لمنصب نائب وزير الدفاع، في تنفيذ تحول استراتيجي نحو آسيا من خلال الضغط على أعضاء الناتو الأوروبيين لزيادة إنفاقهم الدفاعي بشكل كبير وتحمل معظم عبء ضمان أمن أوروبا.
ومنذ فبراير 2022، قدمت الولايات المتحدة أكثر من 110 مليارات دولار كمساعدات عسكرية وإنسانية لأوكرانيا، بينما قدمت الدول الأوروبية أكثر من 130 مليار دولار كمساعدات أمنية ومالية.
وبحسب مجلة "فورين آفريز" الأمريكية، سيؤدي ارتفاع الإنفاق الدفاعي الأوروبي وسط التهديدات الروسية المتزايدة، إلى جانب النفقات الإضافية المحتملة لدعم أوكرانيا، إلى ضغوط مالية جديدة على حكومات أوروبا التي تعاني بالفعل من نقص في الموارد المالية. ومن شأن تحويل الإنفاق الاجتماعي إلى ميزانيات عسكرية أن يثير رفضًا شعبيًا كبيرًا.
الأصول الروسية
رأت المجلة الأمريكية أن أحد الحلول الناجعة لتعويض انخفاض الدعم المالي الأمريكي يتمثل في الأصول الروسية المجمدة بالبنوك الغربية والتي تقدر بحوالي 300 مليار دولار. وفي حالة قلصت إدارة ترامب المساعدات المقدمة لأوكرانيا بشكل كبير، فإن الأصول والأموال المجمدة يمكن أن تغطي النفقات الأمريكية لمدة تتراوح بين ست إلى سبع سنوات.
وحتى الآن، أبدى الأوروبيون والأمريكيون ترددًا في استغلال تلك الأصول. لكن الضغوط من إدارة ترامب المقبلة قد تدفع أوروبا لاتخاذ الخطوة الحاسمة بمصادرتها.
في مقابلة العام الماضي، قال سكوت بيسنت، المرشح لمنصب وزير الخزانة في إدارة ترامب، إنه يعتقد أن أصول روسيا المجمدة في الغرب ستُستخدم في نهاية المطاف ضد موسكو، مشيرًا إلى أن هذه الخطوة لن تؤثر بشكل كبير على استقرار اليورو أو الدولار، رغم اعترافه بوجود اتجاه نحو تقليل الاعتماد على الدولار في الاقتصاد العالمي.
أشارت "فورين آفريز"، في تقرير لها اليوم، إلى أن سياسة استخدام الأصول الروسية ضد موسكو تتماشى مع فلسفة ترامب السياسية، وهو ما يتضح من ادعائه في عام 2016 بأنه سيجعل المكسيك تدفع تكاليف بناء الجدار الحدودي بين الولايات المتحدة والمكسيك. ومع الطبيعة التجارية لسياسة ترامب الخارجية، يمكن تصور مفاوضات حول تقاسم الأعباء واستخدام الموارد لتعويض تقليل الدعم الأمريكي لأوكرانيا.
الرد الصيني
وأوضحت المجلة أن المخاوف الرئيسية تتركز حول كيفية رد فعل الصين. فبكين تحتفظ بأكثر من 3 تريليون دولار من احتياطيات العملات الصعبة، 58% منها بالدولار الأمريكي، والباقي باليورو والجنيه والين. وإذا انسحبت الصين بسرعة من هذه الاحتياطيات، فقد يؤدي ذلك إلى إضعاف عدة عملات وسندات حكومية غربية، إلا أن المدافعين عن مصادرة الأصول الروسية يقولون إن حرب روسيا تمثل تهديدًا فريدًا للنظام العالمي بعد الحرب العالمية الثانية، ولا يمكن مقارنة ذلك إلا بغزو العراق للكويت في عام 1990.
لكي تظل مصادرة أصول دولة أجنبية أمر غير شائع؛ إذ أنها يجب أن تكون خاضعة لشروط خاصة ونادرة: أولاً، أن تكون الدولة المستهدفة قد شنت عدوانًا عسكريًا واحتلت أراضي دولة عضو في الأمم المتحدة؛ ثانيًا، أن تكون الحرب قد شُنت دون عدوان عسكري من الدولة المستهدفة؛ وثالثًا، أن تكون قد أعلنت ضم تلك الأراضي رسميًا، وفقًا للمجلة.
وإذا تم تقييد المصادرة بهذه الشروط، فإن الحالة الروسية لن يكون لها تداعيات مباشرة في حال هجوم صيني على تايوان، التي فقدت وضعها كدولة عضو في الأمم المتحدة عام 1971. في الوقت نفسه، ستكون مصادرة هذه الأصول ردعًا قويًا ضد استخدام القوة العسكرية لتغيير الحدود الدولية المعترف بها.
وخلصت "فورين آفريز" بالقول إن استخدام هذه الأصول أو التهديد باستخدامها يمكن أن يكون نقطة تحول مهمة، حيث إن الاقتصاد الروسي يعاني، والتضخم يتزايد، والاحتياطيات الحكومية تتضاءل، ناهيك عن أن تقييد الوصول إلى التكنولوجيا الجديدة ونقص العمالة نتيجة الحرب والهجرة سيؤدي إلى إضعاف قدرة روسيا على الصمود.