مع عودة الغزيين إلى ديارهم... بدء البحث المروع عن الجثث تحت الأنقاض

تستمر الأزمة الإنسانية المستمرة في غزة في الظهور مع عودة الأسر النازحة، التي فرت من منازلها خلال الصراع الإسرائيلي-الحماسي المطول، إلى حطام أحيائها.
وفقا لتقرير صنداي تايمز، في خضم الدمار، بدأت مهمة قاتمة: البحث عن جثث أحبائهم المفقودين تحت الأنقاض.
مع مقتل أكثر من 47 ألف فلسطيني بسبب الصراع، فإن الخسائر المدمرة لهذه الحرب لم تبدأ في الظهور إلا الآن. فما زال أكثر من 10 آلاف جثة لم يتم انتشالها، وكثير منها أصبح من المستحيل التعرف عليها بسبب حجم الدمار الذي خلفته الغارات الجوية المتواصلة.
الاكتشاف المحزن في رفح، جنوب غزة
واجهت إحدى هذه الأسر مهمة محزنة تتمثل في الكشف عن رفات أحبائها. فقد تم العثور على جثث ناصر أبو عميرة وزوجته أسمهان العروقي وابنهما إسماعيل البالغ من العمر 14 عامًا بعد أشهر من البحث.
كان منزلهم قد تعرض لغارة جوية إسرائيلية في مايو 2024، وكانوا في عداد المفقودين منذ ذلك الحين. وقد تم الكشف عن بقايا الهياكل العظمية جزئيًا، وكانت قطع الملابس هي الوسيلة الوحيدة لتحديد الهوية.
وبينما كانت شقيقة أسمهان، أم إسماعيل العروقي، تتلو الصلوات، حثت الحفارين على توخي الحذر، والوعي بالخطر الذي تشكله الهياكل المنهارة المحيطة بهم. وأشارت إلى اللحظات الأخيرة من حياة أختها وابن أخيها، حيث تشابكت أجسادهما في الموت كما كانت في الحياة: "انظروا، لقد كانوا يحتضنون بعضهم البعض".
بالنسبة للعائلة الحزينة، كان الاكتشاف مؤلمًا، حيث تم تحديد الهوية بناءً على الملابس وليس السمات الجسدية.
حجم الأزمة مع دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ
بدأ سكان غزة في العودة إلى المناطق التي فروا منها، فقط لمواجهة حجم الدمار. أفادت وزارة الصحة التي تديرها حماس أن أكثر من 47000 فلسطيني فقدوا أرواحهم، ولا يزال أكثر من 10000 جثة تنتظر الانتشال.
ومن بين هؤلاء، قيل إن 2840 جثة قد تمزقت أوصالها بشدة بسبب القصف لدرجة أنها "تبخرت" فعليًا. وكشف هيثم الهمص، مدير خدمات الطوارئ والإسعاف في غزة، عن نطاق عملية الانتشال، قائلاً إنه تم تلقي أكثر من 150 مكالمة من السكان يطلبون المساعدة في العثور على أفراد الأسرة في يوم واحد فقط.
جهود الانتشال المستمرة
لقد سقطت مهمة انتشال هذه الجثث على عاتق خدمات الطوارئ، التي تعمل بلا كلل منذ انسحاب الجيش الإسرائيلي وتنفيذ وقف إطلاق النار. وأكد الهمص أن فرقهم تواصل العمل في ظل ظروف صعبة، وبموارد محدودة وفي ظل التهديد المستمر بانهيار المزيد من المباني غير المستقرة.
قال: "بدأنا عملنا فور انسحاب الجيش الإسرائيلي". بالنسبة للعديد من العائلات، أصبح البحث عن أحبائهم المفقودين رحلة مؤلمة عبر الأنقاض، حيث يتم غربلة حطام منازلهم على أمل العثور على شيء - قطعة من الملابس، أو شيء يمكن التعرف عليه - يمكن أن يؤكد مصير أولئك الذين لقوا حتفهم.
الدمار: طريق طويل نحو التعافي إن الدمار الذي حل بغزة مذهل. فوفقاً للأمم المتحدة، تضرر أو دمر أكثر من 60% من المباني في القطاع. وبينما يبحث الناس بين الأنقاض، فإنهم لا يواجهون خسائر شخصية فحسب، بل يواجهون أيضاً بقايا مجتمعات بأكملها تم محوها بفعل القصف.
لقد تحولت أجزاء كبيرة من غزة إلى أرض قاحلة، مع تدمير البنية الأساسية والمنازل والشركات. وأفاد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أنه على الرغم من بدء تدفق المساعدات إلى غزة، مع دخول 915 شاحنة إلى القطاع في 20 يناير، فإن المنطقة لا تزال في حاجة ماسة إلى المساعدة.
ولا تزال خطة طويلة الأجل لإعادة الإعمار واستعادة السيطرة المدنية غائبة، وتواجه المنطقة مستقبلاً غير مؤكد.
إعادة بناء غزة: تحدي العقدين من الزمان
تقدر الأمم المتحدة أن الأمر سيستغرق 21 عاماً على الأقل لإزالة الأنقاض والبدء في إعادة بناء غزة. وتواجه خطة التعافي الطويلة الأجل هذه عقبات كبيرة، بما في ذلك استمرار عدم الاستقرار السياسي والعسكري في المنطقة.
إن جهود إعادة الإعمار تزداد تعقيداً بسبب الافتقار إلى خطة متماسكة، حيث تظل مفاوضات وقف إطلاق النار متوترة وغير مكتملة.
وعلى الرغم من هذه التحديات الهائلة، يواصل أهل غزة مواجهة حزنهم بقدرة هائلة على الصمود. وفي مواجهة الخسارة والدمار، يسعون جاهدين لاستعادة ليس فقط الجثث ولكن بقايا مجتمعاتهم، على أمل إعادة بناء ما حطمته أشهر من الحرب الشديدة.