ميثاق الأطلسي 2025 .. ما هي خطة الناتو الجديدة لتلبية متطلبات ترامب؟

مع استعداد الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب لتولي منصبه مجددًا غدًا الاثنين، تسارع الدول الأوروبية لبحث أنسب الطرق وأكثرها فعالية للرد على تهديداته بسحب الدعم عن حلف الناتو ما لم تنفق أوروبا بشكل أكبر على الدفاع.
وشرع أكثر من 60 من كبار قادة الدفاع عبر الأطلسي في وضع خطة جديدة لحلف الناتو موجهة للولايات المتحدة، وهو ما يُعرف بـ ميثاق الأطلسي 2025، الذي يعده واضعوه متماشيًا مع وجهة نظر ترامب القائلة بأن مساهمات أوروبا في الدفاع غير كافية تمامًا لتلبية احتياجات القارة الحالية والمستقبلية.
خطة حلف شمال الأطلسي الجديدة استعدادًا لـ ترامب
استعرضت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، في تقرير لها، اليوم، هذا الميثاق بشكل مفصل، وقالت إنه عُرض رسميًا على كبار مسؤولي الناتو في بروكسل الأسبوع الماضي ويجري تداوله الآن بشكل غير رسمي بين الحكومات الأوروبية والفريق الانتقالي لترامب.

يقدم "ميثاق الأطلسي 2025" وصفة تفصيلية لكيفية تلبية الدول الأوروبية لتوقعات الإدارة الأمريكية المقبلة بشأن الدفاع، ويقترح الميثاق تسريع تنفيذ الخطط الدفاعية التي وضعها القائد الأعلى لقوات التحالف مؤخرًا لحلف الناتو، مما سيقلل بشكل كبير الاعتماد المفرط لحلف الناتو على القوات العسكرية الأمريكية.
يقترح الميثاق اتفاقًا يقضي بأنه مقابل تعزيز كبير للدفاع الأوروبي، ستواصل الولايات المتحدة نشر قواتها في أوروبا بالمستوى الحالي تقريبًا. ومع هذا التعزيز الأوروبي، ستتمكن القوات الاحتياطية الأمريكية المخصصة للصراع في أوروبا من تحويل تركيزها إلى آسيا عند الضرورة، وإذا اتفق الطرفان عبر الأطلسي، فقد يمثل ذلك نجاحًا مبكرًا لإدارة ترامب مع الحفاظ على التزامات الولايات المتحدة تجاه الناتو.
ثلاثة تحديات رئيسية
يعالج الميثاق ثلاثة تحديات متداخلة أولها هو ما يعتبره "السلوك العدائي لروسيا ليس مع أوكرانيا فحسب بل مع أعضاء بحلف الناتو"، ثم لتحدي المتزايد من الصين، والمتمثل "في توسعها العسكري وسلوكها العدائي تجاه جيرانها وشراكتها مع روسيا، كما يتطرق الميثاق إلى تزايد المسؤوليات الدفاعية العالمية للولايات المتحدة ورغبتها المبررة في إعادة توزيع أعباء الدفاع بشكل أكثر عدالة.
في ظل هذه الظروف، يطرح الميثاق سؤالاً: ما الذي يجب أن تفعله أوروبا تحديدًا لإنشاء عقد دفاعي جديد مع الولايات المتحدة؟
وقد ركز النقاش العام بشكل سطحي على الأرقام الكبرى، مثل إنفاق الدول الأوروبية على الدفاع بنسبة 2% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما تفعله معظم الدول الآن، أو أكثر، لكن الأهم هو تحديد الحد الأدنى من القدرات الدفاعية التي يجب أن توفرها أوروبا لتنفيذ خطط الدفاع المتفق عليها.
الحد الأدنى
على المستوى العام، يشير الميثاق إلى أنه من أجل لتحقيق الحد الأدنى من القدرات المطلوبة، يجب على الحلفاء الأوروبيين أن يوفروا، بمفردهم، بحلول عام 2030 على الأقل نصف القدرات المحددة للدفاع عن أوروبا، ويقترح الميثاق زيادة هذه النسبة إلى الثلثين بحلول عام 2035، ويتطلب تحقيق هذه المتطلبات إنفاقًا دفاعيًا يتجاوز 3% من الناتج المحلي الإجمالي.
ويقترح أيضًا إنشاء فيلقين أوروبيين لمهام "لدرع" يتمركزان في بولندا ورومانيا، بدعم من أربعة فيالق أوروبية احتياطية، بحيث يكون الفيلقين الأماميين، إلى جانب الوحدات المعززة الموجودة لحلف الناتو والدعم الأمامي الأمريكي، قويين بما يكفي لصد أي هجوم روسي أولي على الجبهة الشرقية للناتو.
أما الفيالق الاحتياطية الأربعة، فسيتم استخدامها لتحويل "قوة الرد السريع" الحالية إلى "قوة أوروبية ثقيلة متنقلة"، وهي قوة متقدمة قادرة على تنفيذ هجمات عميقة ضد الأعداء، ستكون هذه القوة جاهزة لتعزيز فيالق الدرع فورًا لدحر أي قوة غازية.

إضافة إلى ذلك، ستحتاج أوروبا إلى إنتاج المزيد من الإمكانات "الداعمة"، مثل النقل الجوي الاستراتيجي، والتزود بالوقود جوًا، والاستخبارات التشغيلية، إذ تعتمد أوروبا اليوم بشكل كبير على الولايات المتحدة لتوفير هذه الإمكانات.
ورأت "فورين بوليسي" أنه مقابل هذا الالتزام الأوروبي المتزايد، ستوافق الولايات المتحدة على الإبقاء على وحدات عسكرية جاهزة بالكامل في أوروبا، وسيشمل ذلك فيلق الجيش الأمريكي الخامس، والقوة الجوية الثالثة، والأسطول السادس للبحرية الأمريكية، بالإضافة إلى وحدات من مشاة البحرية وقوات العمليات الخاصة.
كما سيتم وضع آليات جديدة للقيادة والسيطرة وإجراءات تعزيز التكامل العملياتي لضمان تنفيذ العمليات العسكرية بسلاسة، وستكمل ذلك جهود جديدة تُركز على العمليات متعددة المجالات، بما في ذلك الدفاع السيبراني، وأنظمة الدفاع الجوي والصاروخي المتكاملة، وإزالة العقبات التي تعيق التنقل العسكري.
التهديدات النووية الروسية
يرى الميثاق أن قدرة الردع النووي لحلف الناتو بحاجة أيضًا إلى التعزيز، استجابةً للتهديدات النووية الروسية المستمرة وزيادة نشر روسيا لأسلحة نووية قصيرة المدى، بما في ذلك في بيلاروسيا.
ويوصي الميثاق بتوسيع ترتيبات المشاركة النووية وزيادة التعاون النووي بين بريطانيا وفرنسا، ورأى الميثاق ضرورة تعليق العمل بـ"وثيقة التأسيس بين الناتو وروسيا" مؤقتًا، وألا تعيق هذه الوثيقة تحسينات الردع.
في ظل التحديات الاقتصادية والسياسية التي تواجهها العديد من الدول الأوروبية، يقترح الميثاق وسيلة لتمويل المتطلبات الدفاعية التي لا يمكن تغطيتها عبر زيادات فورية في ميزانيات الدفاع الوطنية، ويوصي بإنشاء "بنك الدفاع والأمن والصمود"، وهو قيد الدراسة من قبل طاقم الناتو الدولي منذ عام 2019، وستُدعم قروض البنك وضماناته من خلال الجدارة الائتمانية لدول الناتو الأعضاء، وستُوجه القروض والضمانات إلى الدول الأعضاء وصناعاتها الدفاعية لتنفيذ الخطط الطموحة الموضحة أعلاه.
أزمات اقتصادية تعرقل الخطة
وفقًا للمجلة الأمريكية، فإن تلك المقترحات مكلفة لأوروبا، حيث لا يزال بعض الحلفاء دون مستوى الإنفاق الحالي المستهدف بنسبة 2%، وتمر ألمانيا وفرنسا، أكبر اقتصادين في أوروبا، بأزمات سياسية، بينما تتخلف إسبانيا وإيطاليا عن تحقيق الأهداف، ومع نمو الناتج المحلي الإجمالي الأوروبي بنسبة أقل من 1% في عام 2024، سيكون من الصعب على العديد من الدول زيادة الإنفاق الدفاعي دون إجراء تخفيضات عميقة في مجالات أخرى.

ومع ذلك، فإن تهديدات ترامب اللفظية، والعدوان الروسي المستمر، وتعزيز الصين لقدراتها العسكرية، إلى جانب إنشاء بنك لتمويل الدفاع، يوفّر أسبابًا للاعتقاد بأن أوروبا يمكنها أن تحقق أداءً أفضل في السنوات القادمة. وستتحسن التوقعات بشكل أكبر إذا فهم الرأي العام الأوروبي بوضوح القدرات الدفاعية اللازمة، وهو ما يسعى "ميثاق الأطلسي 2025" إلى توضيحه.
بعد إجراء المفاوضات الضرورية عبر الأطلسي عقب تنصيب ترامب الأسبوع المقبل، سيكون القمة القادمة لحلف الناتو في لاهاي في يونيو فرصة مناسبة لقادة الحلف لتنفيذ الأفكار الواردة في "ميثاق الأطلسي 2025". خلال القمة، يمكن للقادة الأوروبيين تعزيز علاقاتهم مع الإدارة الأمريكية الجديدة من خلال الالتزام بسرعة بناء القدرات الدفاعية، وزيادة نفقات الدفاع كما هو مطلوب لتحقيق هذه الأهداف، وإنشاء بنك جديد لتمويل الدفاع والأمن والصمود لدعم جهودهم.