عاجل

"ميرسك وقناة السويس": شراكة استراتيجية تهددها الأزمات الجيوسياسية

شركة ميرسك للملاحة
شركة ميرسك للملاحة البحرية

تعد قناة السويس المصرية أحد أعظم الإنجازات الهندسية في العالم، وركيزة أساسية في حركة التجارة العالمية، بينما كانت القناة في الماضي تجذب العديد من الشركات العالمية للمساهمة في تطويرها وتحقيق الربح، فإن الأوضاع الجيوسياسية الراهنة قد غيرت من معادلة الشراكات، واحدة من أبرز هذه الشركات هي "ميرسك"، عملاق الشحن البحري الدنماركي، التي تعتبر قناة السويس شريانًا حيويًا لعملياتها التجارية.

وعلى الرغم من التحديات الجيوسياسية التي أثرت بشكل كبير على حركة الملاحة في المنطقة، فإن علاقة ميرسك بالقناة لا تزال محورية، مما يثير التساؤلات حول تأثير هذه الأزمات على التجارة العالمية.

 

علاقة تاريخية

في نوفمبر 2022، أعلنت شركة "ميرسك" عن نيتها استثمار 500 مليون دولار في مصر، لتوسيع طاقتها التشغيلية في قناة السويس عبر إنشاء رصيف حاويات جديد في ميناء شرق بورسعيد، ويعد هذا الاستثمار، جزءًا من خطة طويلة الأمد لتعزيز الشراكة مع هيئة قناة السويس، مما يعكس مدى اعتماد "ميرسك" على المجرى الملاحي المصري في تسهيل عمليات الشحن البحرية العالمية.

 

وتمتلك الشركة الدنماركية 55 % من شركة "قناة السويس للحاويات" من خلال ذراعها "إيه بي إم ترمينلز"، وهو ما يعكس مدى التزام الشركة الاستثماري في المنطقة، كما أن وجود "ميرسك" في قناة السويس يؤكد الدور المحوري للممر الملاحي في استراتيجية الشركة لتعزيز حركة البضائع عبر خطوط الشحن العالمية. ومع ذلك، لم يكن المستقبل يبدو مشرقًا كما كان مأمولًا.

 

الأزمة الجيوسياسية

تعود بداية العقدة الدرامية إلى أكتوبر 2023، حينما اندلعت الحرب في غزة، وبدأت جماعة الحوثيين في اليمن بشن هجمات على السفن المارة في البحر الأحمر، واستهدفت هذه الهجمات، شرايين التجارة الدولية، ودفعت شركات الشحن مثل "ميرسك" إلى تغيير مسارات السفن إلى طرق أطول وأكثر تكلفة، مما أسفر عن ازدحام في الموانئ الآسيوية والأوروبية، وزيادة في تكاليف الشحن.

وكان التأثير الأكبر لهجمات الحوثيين على حركة السفن عبر قناة السويس، حيث تراجعت أعداد السفن العابرة نتيجة لهذه الهجمات، مما أدى إلى خسائر في إيرادات القناة، بعد أن سجلت أعلى معدل عبور في عام 2023 قبل اندلاع التوترات الأمنية. 

وفي هذا السياق، قال الرئيس التنفيذي لشركة "ميرسك"، فينسنت كليرك، في أكتوبر 2025، إن الشركة لا تتوقع عودة الإبحار عبر القناة بشكل طبيعي قبل عام 2025 بسبب المخاطر الأمنية في البحر الأحمر.

 

الضغط على قناة السويس

أصبح الوضع أكثر تعقيدًا بعد أن بدأت شركات شحن أخرى، مثل "هاباگ لويد"، في تجنب قناة السويس تمامًا في ظل استمرار الهجمات الحوثية، مما زاد من العبء على الممرات البحرية الأخرى، مثل طريق رأس الرجاء الصالح، الذي يعد أطول وأكثر تكلفة، وكانت هذه التحولات في مسارات الشحن تؤدي إلى زيادة الأسعار، وخلق ازدحام في الموانئ، وهو ما أثقل كاهل الاقتصاد العالمي.

وعلى الرغم من هذه الأزمات، استمرت "ميرسك" في تأكيد التزامها بتوسيع استثماراتها في مصر، حيث قامت بتطوير مشاريع في ميناء شرق بورسعيد، إضافة إلى الاستمرار في التنسيق مع السلطات المصرية من أجل ضمان استدامة حركة الشحن عبر القناة بمجرد استقرار الأوضاع.

 

الدبلوماسية الاقتصادية هي الحل

يبدو أن الحلول العاجلة لهذا الوضع المعقد ستأتي من خلال دبلوماسية اقتصادية موجهة نحو تعزيز الأمان في البحر الأحمر، وهو ما تقوم به مصر على مستويات متعددة، فعلى الرغم من تأكيدات شركات الشحن مثل "ميرسك" بشأن استمرار الوضع الأمني المضطرب حتى 2025، هناك جهود مستمرة من قبل هيئة قناة السويس للتواصل مع شركات الشحن الكبرى والمنظمات البحرية الدولية لإيجاد حلول تخفف من تداعيات الأزمة.

وتشير التقارير إلى أن هناك تعاونًا مستمرًا بين هيئة قناة السويس وشركة "ميرسك"، حيث يجري العمل على تأكيد الدور الاستراتيجي للقناة كممر رئيسي للشحن عبر العالم، ويتزامن هذا مع زيادة اهتمام الشركة بمشروعات جديدة في مصر، مثل تخريد السفن بميناء دمياط، وهو ما يعكس رغبة "ميرسك" في تقوية علاقتها بمصر، وضمان استدامة استثماراتها رغم المخاطر الأمنية.

 

تحديات عودة الملاحة 

تبقى التحديات الكبيري في كيفية توفير بيئة آمنة للسفن العابرة للقناة، وهو ما يتطلب حلولًا طويلة الأمد، فعلى الرغم من التصريحات الإيجابية من المسؤولين في "ميرسك" بشأن زيادة الطلب على شحن الحاويات، لا يزال التوتر في منطقة البحر الأحمر يمثل عقبة رئيسية، ويتزايد الضغط على الشركات لتعزيز خطط الطوارئ والتأمين على شحناتها، ما قد يؤدي إلى تحول دائم في طريقة التجارة العالمية في المستقبل.

 

وتعد علاقة "ميرسك" مع قناة السويس شراكة استراتيجية قائمة على تبادل المنفعة، وعلى الرغم من التحديات الجيوسياسية التي تواجه المنطقة، لا تزال قناة السويس تمثل حجر الزاوية في سلسلة الإمداد العالمي، وواحدة من أهم النقاط التي تضمن انتقال البضائع من الشرق إلى الغرب، و في ظل الأوضاع الراهنة، تتجه الأنظار نحو الحكومات والشركات للبحث عن حلول أمنية ودبلوماسية تحفظ استدامة هذا الشريان الحيوي.

 

 

 

 

تم نسخ الرابط