بحرفيين بورسعيد.. "العربي"طفل يحلم بسماعة الطبيب بدلًا من مفتاح الصيانة

بين أصوات المحركات وعبق الزيوت المعدنية، يعمل الطفل “العربي محمد العربي” ذو الخمسة عشر عامًا، في إحدى ورش صيانة السيارات بمنطقة الحرفيين بمحافظة بورسعيد.
يبدو المشهد معتادًا، لكنه يخفي خلفه حلمًا كبيرًا يتجاوز حدود الورشة وضجيجها، إذ يطمح هذا الفتى المجتهد لأن يصبح طبيبًا يداوي الناس بدلًا من إصلاح السيارات.
يقول العربي في لقاء خاص لـ نيوزروم ” الذي بدأ العمل في ورشة "لعفشة السيارات" مع والده منذ أن كان في الثامنة من عمره، إنه يقطن في إحدى قرى جنوب بورسعيد ويقطع مسافة طويلة يوميًا للوصول إلى مكان عمله.

وعلى الرغم من مشقة الطريق والعمل، فإنه لا يتخلى عن حلمه الكبير، موضحًا أنه تخرج بالصف الثالث الإعدادي في مدرسة "سند" بحي الجنوب، وقد ذاكر بجد ، متمنيًا أن يلتحق بالثانوية العامة ومن ثم بكلية الطب ليصبح طبيب مجتهد ويحقق حلم الطفولة.

ويضيف العربي بثقة: "أحب مهنتي وأنا ماهر فيها، لكن حلمي أن أصبح طبيبًا كبيرًا موضحا أنه يستيقظ باكرًا كل يوم للعمل ويتلقى أجرًا يساعد به أسرته، ثم يعود ليذاكر دروسه.
واختتم حديثه قائلاً:"أنا فخور بنفسي، ومؤمن أن لكل مجتهد نصيب."

خبراء التربية يحذرون: عمالة الأطفال خطر يهدد التراث والهوية
في السياق ذاته، أكدت شيماء بديع، أخصائية التخاطب والتربية الخاصة، خلال حديثها لموقع "نيوز روم" :"أنه تعتبر عمالة الأطفال من القضايا الاجتماعية المعقدة التي لها أبعاد متعددة وتأثيرات عميقة، ليس فقط على الطفل العامل نفسه، بل على المجتمع بأكمله وتراثه عبر الأجيال.

وأضافت شيماء بديع أنه من منظور اجتماعي، يمكن أن يؤثر عمل الأطفال بشكل كبير على تراث الأجيال بعدة طرق أهمها تآكل المعرفة والمهارات التقليدية حيث أن عمالة الأطفال غالبًا ما تحرمهم من فرص التعليم النظامي أو اكتساب المهارات الحرفية التقليدية التي تنتقل عبر الأجيال داخل الأسر والمجتمعات.

أشارت "بديع" إلى أنه عندما ينخرط الأطفال في أعمال شاقة ومضنية مبكرًا، لا يجدون الوقت أو الطاقة لتعلم الحرف اليدوية، أو القصص، أو الأغاني، أو العادات والتقاليد التي تشكل جزءًا أساسيًا من التراث الثقافي، وهذا يؤدي إلى فقدان تدريجي للمعرفة المتراكمة والمهارات الفريدة التي كانت تميز المجتمع.
تابعت اخصائية التربية الخاصة أن عمالة الأطفال تؤدي إلى ضعف الهوية الثقافية ، فالتعليم والاندماج الاجتماعي في مرحلة الطفولة لهما دور حاسم في بناء الهوية الثقافية للفرد.
اردفت أنه عندما يُجبر الأطفال على العمل، فإنهم يُحرمون من المشاركة في الأنشطة الثقافية والاجتماعية التي تعزز الانتماء وتعمق فهمهم لتراثهم. هذا يمكن أن يؤدي إلى ضعف في الهوية الثقافية للأجيال القادمة، حيث يفتقرون إلى الارتباط العميق بجذورهم وتاريخهم.
وترى أن عمالة الأطفال تتسبب في تدهور القيم الاجتماعية حيث يمكن أن تساهم في تدهور بعض القيم الاجتماعية الأساسية مثل قيمة التعليم، وكرامة العمل، وحماية الطفولة.
عندما يصبح عمل الأطفال مقبولاً أو شائعًا، فإنه يرسخ فكرة أن الأطفال مجرد قوة عاملة، مما يتعارض مع المبادئ الإنسانية التي تؤكد على حق الطفل في النمو والتطور في بيئة آمنة وداعمة.
هذا التدهور في القيم يمكن أن يؤثر على البنية الاجتماعية للأجيال اللاحقة ويضعف نسيج المجتمع.
ذكرت شيماء بديع أن عمالة الأطفال تؤدي لقطع حلقة التنمية البشرية ،حيث تعتبر الطفولة هي المرحلة الأساسية للتنمية البشرية، حيث يتم بناء القدرات المعرفية والاجسدية والاجتماعية.
واضافت أنه عندما تُسرق هذه المرحلة بسبب العمل، تُقطع حلقة التنمية، مما يؤدي إلى أجيال ذات مستويات تعليمية وصحية أقل، وقدرات محدودة على الابتكار والمساهمة في تقدم المجتمع. هذا الانقطاع لا يؤثر فقط على التنمية الاقتصادية، بل يحد من قدرة الأجيال المستقبلية على إثراء التراث الثقافي والفني.
واكملت حديثها بأن عمالة الأطفال تتسبب في نقل دورة الفقر والحرمان ، فغالبًا ما تكون نتيجة للفقر، ولكنها في الوقت نفسه تديم دورة الفقر عبر الأجيال ، فالأطفال الذين يعملون في سن مبكرة غالبًا ما يفتقرون إلى التعليم والفرص، مما يجعلهم أكثر عرضة للبطالة أو العمل في وظائف ذات أجور منخفضة عندما يكبرون.
وتابعت هذا يعني أنهم قد يجدون أنفسهم مضطرين لإرسال أطفالهم للعمل أيضًا، مما يُعيق أي محاولة لبناء تراث مستدام من الرخاء والتقدم للأجيال القادمة.
واختتمت اخصائية التخاطب والتربية الخاصة أنه باختصار، فإن عمالة الأطفال ليست مجرد مشكلة فردية تؤثر على الطفل العامل، بل هي ظاهرة اجتماعية لها تأثيرات مدمرة على التراث الثقافي والاجتماعي للأجيال القادمة.
إنها تهدد بنقل المعرفة والمهارات، وتضعف الهوية الثقافية، وتدهور القيم الاجتماعية، وتقطع حلقة التنمية البشرية، وتديم دورة الفقر، مما يؤدي في النهاية إلى تراث أقل ثراءً وأكثر هشاشة.