واشنطن وسد النهضة: بين الوساطة والدعم الفني والانتقاد الصريح

منذ إعلان إثيوبيا عن مشروع سد النهضة الكبير عام 2011، ظلت الولايات المتحدة الأمريكية طرفًا رئيسيًا في متابعة الأزمة التي أثارت توترات إقليمية حول حصة مياه نهر النيل بين مصر والسودان وإثيوبيا.
في البداية، اتخذت واشنطن موقف الحياد، حيث تجنبت التدخل المباشر، مكتفية بالدعوة إلى الحوار والوساطة بين الأطراف الثلاثة. لكن هذا الموقف شهد تحولات ملحوظة مع تعاقب الإدارات الأمريكية.
خلال ولاية الرئيس دونالد ترامب الأولى، تصاعد الدور الأمريكي ليشمل وساطة مباشرة في مفاوضات سد النهضة، في محاولة لاحتواء الخلافات وتقريب وجهات النظر. إلا أن هذه الوساطة واجهت تحديات كبيرة بسبب تعقيدات الملف والاختلافات الجذرية بين الدول المعنية.
مع تولي جو بايدن رئاسة الولايات المتحدة، تحولت السياسة الأمريكية إلى ما يسمى بـ"الدعم الفني"، حيث ركزت الإدارة على توفير الخبرات الفنية للمساعدة في إيجاد حلول عملية دون الانخراط السياسي العميق في النزاع. لكن هذا الدعم لم ينجح في كسر الجمود أو تحقيق تقدم ملموس في المفاوضات.
وفي خطوة مفاجئة، مع عودة ترامب إلى المشهد السياسي، خرج الموقف الأمريكي عن الحياد مرة أخرى، حيث وصف تمويل الولايات المتحدة لإثيوبيا في المشروع بأنه "غبي"، مما أثار ردود فعل واسعة وأعاد فتح النقاش حول دور واشنطن وتأثير سياستها في هذه الأزمة الحساسة.
في هذا التقرير نرصد تطور الموقف الأمريكي زمنيًا، من التجاهل إلى الاعتراف، ونحلل أبرز محطاته وانعكاساته على مسار الأزمة.
2011–2014 | تجاهل أمريكي في عهد أوباما
في إبريل 2011، أعلنت إثيوبيا رسميًا عن تدشين مشروع سد النهضة على النيل الأزرق.
إدارة الرئيس باراك أوباما التزمت الحياد ولم تُصدر موقفًا حاسمًا، بل اكتفت ببيانات عامة تدعو إلى "حل الخلاف عبر الحوار".
الخارجية الأمريكية شددت حينها على "حق جميع الأطراف في التنمية" دون إبداء انحياز.
القاهرة اعتبرت الموقف الأمريكي سلبيًا، خصوصًا في ظل العلاقات القوية بين واشنطن وأديس أبابا آنذاك.
2014–2016 | "الدبلوماسية الهادئة" لأوباما
لم يطرأ أي تغير جوهري في الموقف الأمريكي.
الإدارة الأمريكية واصلت دعم الاتحاد الإفريقي كمظلة للحوار، دون تدخل مباشر.
في هذه المرحلة، كثّفت أمريكا دعمها الفني والتنموي لإثيوبيا، وهو ما اعتُبر لاحقًا شكلًا غير مباشر من دعم مشروع السد.
-2017–2020 | تدخل مباشر في عهد ترامب الأول
بوصول دونالد ترامب إلى الرئاسة، دخلت واشنطن على خط الأزمة بقوة.
في أواخر 2019، رعت وزارة الخزانة الأمريكية والبنك الدولي جولات تفاوض بين مصر والسودان وإثيوبيا.
فبراير 2020: أعدت واشنطن مسودة اتفاق نهائي، وقّعت عليه مصر منفردة، فيما انسحبت إثيوبيا ورفضت التوقيع.
اتهمت أديس أبابا إدارة ترامب بـ"الانحياز الكامل للقاهرة".
تصريح ترامب الشهير (أكتوبر 2020):"الوضع خطير جدًا، وقد ينتهي بأن تفجّر مصر السد، لا يمكنهم العيش بهذا الشكل".
أثار التصريح ضجة واسعة، واعتُبر تحريضًا ضمنيًا على الخيار العسكري.
أعقب ذلك توتر في العلاقات بين إثيوبيا وأمريكا، وتجميد جزئي للتعاون.
2021–2024 حياد بايدن وتراجع الدور الأمريكي
تولى جو بايدن الحكم مطلع 2021، وعاد بالموقف الأمريكي إلى مربع الحياد.
دعم بايدن مفاوضات الاتحاد الإفريقي، ورفض التدخل المباشر في الملف.
الخارجية الأمريكية أصدرت بيانات متكررة تدعو لتفادي الخطوات الأحادية، لكنها لم تمارس أي ضغط حقيقي.
غابت واشنطن عن المشهد الفعلي في المفاوضات، وركّزت على ملفات أخرى في المنطقة.
ترامب يعود ويصف تمويل السد بـ"التصرف الغبي"
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مفاجأة مدوية حين قال: "لقد ساعدنا في تمويل سد النهضة في إثيوبيا... وكان ذلك أحد أغبى التصرفات على الإطلاق. هذا السد سبب أزمة كبرى مع مصر، وكان يجب أن نمنع حدوثه".
التصريح أعاد ملف التمويل الأمريكي غير المباشر إلى الواجهة، خاصة عبر برامج التنمية والمساعدات التي حصلت عليها إثيوبيا من مؤسسات أمريكية خلال العقد الماضي.
ترامب لم يُفصِح عن تفاصيل هذا التمويل، لكنه تحدث بنبرة حاسمة تعكس تحولًا في الخطاب الرسمي.
التسلسل الزمني للموقف الأمريكي
أوباما (2011–2016) حياد سلبي تجاهل الأزمة – دعم الاتحاد الإفريقي
ترامب الأول (2017–2020) تدخل مباشر رعاية مفاوضات – دعم مصر – تحذير من تفجير السد
بايدن (2021–2024) حياد دبلوماسي تشجيع الحوار – غياب عن المفاوضات
ترامب الثاني (2025) اعتراف بأثر رجعي وصف تمويل إثيوبيا بـ"الغبي" – انتقاد للنهج الأمريكي السابق
الولايات المتحدة لم تكن وسيطًا نزيهًا بالكامل، بل تأرجحت بين التجاهل، والتدخل، والدعم غير المباشر.
إدارة ترامب الأولى كانت الأقرب للموقف المصري، لكن فشلت في إقناع إثيوبيا بتوقيع اتفاق نهائي.
إدارة بايدن عادت لمربع "الحياد البارد"، ما ساهم في جمود الملف.
تصريحات ترامب الأخيرة تُعد تحولًا في الموقف الرسمي الأمريكي، وقد تُستخدم كورقة ضغط دبلوماسية من جانب مصر.