أستاذ جيولوجيا: أزمة تشغيل سد النهضة تهدد بتصريف المياه دون كهرباء

قال الدكتور عباس شراقي، أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة، إن السدود عمومًا تُملأ بالمياه في موسم الفيضان، ثم تُستخدم هذه المياه طوال العام في توليد الكهرباء.
ويتم ذلك عبر تمرير المياه على التوربينات، حيث يفضل دائمًا أن تُملأ البحيرة بالكامل، لأن المياه تنزل من ارتفاع عالٍ، مما يولد طاقة أكبر عند مرورها على التوربينات الموجودة في أسفل السد، وهذا هو الأساس العلمي والفني في تشغيل السدود المائية الكبرى.
سد النهضة تم ملؤه بالكامل.. ولكن التشغيل فشل
وفي تصريح خاص لـ نيوز رووم أكد عباس شراقي، إثيوبيا قامت بملء سد النهضة بالكامل في العام الماضي، وكان من المفترض أن تبدأ التوربينات في العمل من خلال تصريف كميات يومية من المياه، على غرار ما يتم في السد العالي المصري. وأضاف أن هذا النظام يتطلب أن تكون البحيرة شبه فارغة بنهاية السنة المائية ليستوعب السد فيضان العام التالي.
ولكن على العكس، فإن بحيرة سد النهضة ما زالت ممتلئة، مما يشير إلى أن التوربينات لم تعمل كما ينبغي. وتشير المؤشرات إلى أن هناك مشكلات فنية في التوربينات حالت دون تشغيلها بكفاءة.
أرقام التشغيل الفعلي تؤكد وجود خلل
وأوضح شراقي أن الكمية التي تم سحبها من بحيرة سد النهضة لم تتجاوز 4 مليارات متر مكعب فقط، من أصل 60 مليارًا، وهي كمية ضئيلة للغاية، وربما تعود في الأساس إلى عوامل طبيعية مثل البخر والتسريب، وليس التشغيل الفعلي.
وأضاف أن هذا يمثل فشلًا كبيرًا في استغلال المياه المخزنة، إذ لم يتم توليد كهرباء تذكر، رغم السنوات التي تم فيها الترويج لمشروع التخزين الكبير.

فتح بوابات التصريف يُعد اعترافًا بالفشل
أشار الدكتور عباس شراقي إلى أن فتح بوابات التصريف، المعروفة باسم "بوابات المفيض"، دون تمرير المياه على التوربينات، يُعد اعترافًا واضحًا بأن السد لم ينتج كهرباء كما كان مخططًا. فتح هذه البوابات هو تصرف يُتخذ فقط عند وجود خطر فيضان أو زيادة مفرطة في منسوب البحيرة، لكنه في الوقت نفسه يُعد تضييعًا لكميات المياه المخزنة دون استفادة فنية أو اقتصادية.
وأضاف: "إذا تم فتح البوابات الآن، فستكون إثيوبيا قد خزنت المياه لسنوات دون أي مقابل، وهو ما يتعارض مع الغرض من بناء السد".
الأمل الأخير في تشغيل التوربينات قبل موسم الأمطار
وتابع شراقي، إثيوبيا تحاول تأخير فتح البوابات قدر المستطاع، على أمل أن تنجح الفرق الفنية أو الشركات الأجنبية في تجهيز وتشغيل التوربينات خلال الشهور القليلة المتبقية قبل بدء الأمطار الغزيرة في يوليو.
وقال: "ربما تكون لديهم فرصة لتشغيل التوربينات لمدة شهرين أو ثلاثة قبل أن يصبح فتح البوابات أمرًا حتميًا بسبب زيادة معدلات الأمطار".
موسم الأمطار القادم يضغط على إثيوبيا
أوضح الدكتور عباس شراقي أن هناك زيادة تدريجية في كمية الأمطار الشهرية التي تصل إلى سد النهضة، حيث وصلت إلى 20 مليون متر مكعب يوميًا في أبريل، و60 مليون متر مكعب في مايو، ومن المتوقع أن تصل إلى 200 مليون متر مكعب في يونيو، و300 مليون متر مكعب يوميًا في يوليو.
وبالتالي، فإن إثيوبيا ستكون مضطرة لفتح البوابات سواء عملت التوربينات أم لا، لتفادي خطر الفيضان.
المياه ستصل إلى مصر في كل الأحوال
أشار الدكتور شراقي بوضوح إلى أن مصر ستستقبل المياه في جميع الحالات، سواء تم توليد الكهرباء أم لا، لأن المياه الخارجة من التوربينات أو من بوابات المفيد ستصل إلى النهر وتكمل مسارها الطبيعي.
وقال: "سواء وُلدت كهرباء أو لم تُولد، فالمياه في النهاية ستصل إلى مصر. الفرق الوحيد أن إثيوبيا ستكون قد استفادت أو لم تستفد من المياه قبل وصولها إلينا".
الوضع في السودان أكثر حساسية
أكد شراقي أن الوضع في السودان أكثر تعقيدًا بسبب محدودية السعة التخزينية خلف سد الروصيرص، الذي يقع مباشرة خلف سد النهضة، ولا يتسع لأكثر من 6 مليارات متر مكعب.
فتح بوابات السد الإثيوبي بشكل مفاجئ أو بكميات كبيرة قد يؤدي إلى فيضانات وأضرار جسيمة في السودان، في حين أن الإغلاق الكامل يؤدي إلى شح في المياه لدى السودان أيضًا، نظرًا لافتقاره لسدود ضخمة مثل السد العالي في مصر.
الوضع الحالي غير مستقر ويتطلب اتفاقًا قانونيًا
اختتم شراقي حديثه بالتأكيد على ضرورة وجود اتفاق قانوني ملزم لإدارة مياه النيل، خاصة في ظل الغموض الحالي الذي لا يسمح للدول المتأثرة مثل مصر والسودان بتحديد سياستها المائية والزراعية بشكل دقيق.
وأضاف: "الوضع غير واضح، ولا يمكن لدولة تعتمد على نهر النيل مثل مصر أن تضع سياستها الزراعية أو تخطط لمساحة الأرز أو إدارة مياه السد العالي في ظل هذا الغموض. الاتفاق والتعاون هما الحل الوحيد لضمان مصالح الجميع".