علي جمعة يُحذر : لا تطلقوا على "التفلت" اسم الحرية

التلاعب بالمصطلحات خطر ديني وثقافي كبير حذّر الدكتور علي جمعة، مفتي الديار المصرية الأسبق وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، من خطورة التلاعب بالمصطلحات الشرعية واللغوية، مؤكدًا أن ما يحدث في عصرنا من استبدال المفاهيم والمصطلحات يؤدي إلى تحريف المعاني، وفتح أبواب من الضلال والفتنة قد يصعب إغلاقها.
جاء ذلك في منشور له عبر صفحته الرسمية على موقع "فيسبوك"، تناول فيه مفهوم "الحرية" كما يُستخدم في العصر الحديث، وما يقابله من مصطلح "freedom" في الثقافات الغربية، موضحًا الفرق الجوهري بين المعنيين.
الحرية أم التفلت؟ الفرق بين المصطلح والممارسة
أوضح الدكتور علي جمعة أن "الحرية" في الفهم التراثي الشرعي كانت مقابلة للرق والعبودية، وهي مقصد شرعي نبيل يتشوّف إليه الإسلام في كثير من الأحكام.
لكن ما يُروَّج له اليوم باسم "freedom" هو في كثير من الأحيان تفلتٌ من القيم والضوابط، وليس حرية حقيقية. ولو كان بيدنا اختيار ترجمة أدق لهذا المفهوم، لكانت "التفلت" أكثر ملاءمة من "الحرية"، لما تحمله الكلمة الغربية من دلالات فلسفية متناقضة مع موروثنا الإسلامي.
النبي ﷺ نبّه مبكرًا إلى خطورة تحريف الأسماء
استشهد الدكتور علي جمعة بحديث النبي محمد ﷺ: "ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحِرَ والحرير والخمر والمعازف"، وقوله ﷺ: "يستحلون الخمر يسمونها بغير اسمها"، مؤكدًا أن تحريف الأسماء يقود إلى تحريف الأحكام، ويجعل الناس يستحلون ما حرمه الله، ويحرمون ما أحله، فيضلون ويُضلون.
وتابع: "قديمًا أطلق الناس على الخمر أسماء متعددة كـ"الشمبانيا" و"الويسكي" و"الجن"، وبدأت الشكوك تدور: هل هذه خمر أم لا؟ رغم أن النبي ﷺ حسم المسألة بقوله: "كل مسكر خمر، وكل خمر حرام"، ونهى عن كل مسكر ومفتر، ومنها المخدرات والحشيشة، التي أجمع العلماء على تحريمها.
انتبهوا للغة.. الألفاظ ليست عبثًا
أشار الدكتور علي جمعة إلى أن اللغة العربية محفوظة بالوحي، فقد علّم الله آدم الأسماء كلها، وأنزل بها كتابه، وعلّق الأحكام على معانيها، ونقلتها الأمة عبر القرون بدقة، فلا يجوز أن نُحمّلها معاني دخيلة أو نستخدمها في غير موضعها.
وحذّر من أن التهاون في هذا الباب أدى إلى فوضى في المفاهيم، فأصبح الناس يطلقون "الحرية" على التفلت، و"الإبداع" على الإسفاف، و"الشمبانيا" على الخمر، و"الفن" على المخرقة، وانتقلت العدوى إلى مجالات السياسة والاقتصاد والاجتماع والقانون.
الإبداع الحقيقي أم سمادير السكرانين؟
في مقارنة لافتة، أشار الدكتور علي جمعة إلى أن الإبداع في أصله قيمة إيجابية تحمل معاني الجمال والفن والإيجاد الذي يُصلح الحياة، لكننا انحرفنا به عن هذه المعاني، وأصبح البعض يعتبر "سمادير السكرانين" – أي الخيالات المريضة التي يراها السكران – أساسًا لما يسمى بالإبداع الحديث.
المصطلحات أمانة.. فلا تخونوها
اختتم الدكتور علي جمعة منشوره بتأكيد أن ضبط المصطلحات أمانة شرعية، والتفريط فيها يُفرّغ الدين من مضمونه، ويفتح الباب واسعًا لتحريف الحقائق وتشويه الشريعة.