كيف تدمّر السخرية من المرضى المجتمع وتلحق الضرر بالقيم الإنسانية؟

تعدّ السخرية والتنمر من المرضى، وخاصةً أصحاب الاضطرابات النفسية مثل مرضى التوحّد ومتلازمة داون، من الظواهر التي تهدد المجتمع وتدمر القيم الإنسانية. هذه التصرفات لا تقتصر على إيذاء الأفراد الذين يعانون من هذه الأمراض، بل تمتد لتؤثر في النسيج الاجتماعي ككل، مما يجعلها جريمة شرعية وقانونية في نظر الشريعة الإسلامية والقوانين المحلية.
حكم الشرع في السخرية من المرضى
السخرية من المرضى وأصحاب الاضطرابات النفسية محرم شرعًا، إذ لا تقتصر هذه السلوكيات على إلحاق الأذى النفسي بالمصابين، بل تسهم في تعزيز ثقافة الاحتقار والتمييز في المجتمع. في هذا السياق، حذّرت دار الإفتاء المصرية من تنامي هذه الظاهرة، مؤكدة أن التنمر على مرضى التوحّد ومتلازمة داون يعتبر جريمة أخلاقية وشرعية.
نهي الشرع عن السخرية والاحتقار
القرآن الكريم والسنة النبوية تحثّان على احترام الآخرين وعدم السخرية منهم. فقد ورد في قوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّنْ قَوْمٍ عَسَىٰ أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَىٰ أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الْمُسْمَى الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُو۟لَـٰٓئِكَ هُمُ الظَّـٰلِمُونَ" [الحجرات: 11].، وهو نهي عن السخرية والاحتقار. فقد بيّن العلماء أن السخرية من أصحاب العاهات أو من غيرهم من أصحاب الاضطرابات النفسية يعتبر ظلمًا للنفس وتحقيقًا لذنب في حق الله ورسوله.
أثر السخرية على المجتمع
السخرية من المرضى لا تضرّ بالضحية فقط، بل تؤثر بشكل كبير في المجتمع ككل. فهي تشوّه المبادئ الإنسانية التي تدعو إلى التراحم والتعاون، وتحفز على العنف النفسي والإجتماعي. في هذا الصدد، يجب على المؤسسات التعليمية والدينية والإعلامية أن تضطلع بدورها في التوعية من مخاطر السخرية، وتنمية ثقافة الاعتذار واحترام حقوق الآخرين.
التنمر جريمة قانونية
السخرية من المرضى لا تقتصر على كونها جريمة أخلاقية فحسب، بل هي جريمة قانونية يعاقب عليها القانون المصري. المادة (375 مكرر) من قانون العقوبات المصري تؤكد أن أي فعل من شأنه إلحاق الأذى النفسي أو الجسدي بالآخرين يعرض مرتكبه للمسائلة القانونية. وهذا يشمل السخرية والإيذاء اللفظي، مما يستدعي المجتمع للوقوف ضد هذه الظاهرة ومكافحتها.
التحذير من السب وبذاءة اللسان
السخرية غالبًا ما تترافق مع السب والشتم، وهو ما حذّر منه النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه: "سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ، وَقِتَالُهُ كُفْرٌ" [صحيح مسلم]. فالسب ليس محرمًا فحسب، بل هو سبب رئيسي للفرقة بين الناس ويهدد التماسك الاجتماعي.
التنمر في الميزان الشرعي
الإسلام لا يقتصر على تحريم السخرية فحسب، بل يحثّ على التعامل مع الآخرين بالرفق والرحمة، ويعاقب على أي تصرف يؤدي إلى إهانة الشخص أو إلحاق الأذى به. وهذا ينطبق بشكل خاص على من يعانون من الأمراض النفسية، حيث يعتبر الإسلام الاعتداء عليهم انتهاكًا لحقوق الإنسان.
يجب على المجتمع أن يتحد لمكافحة ظاهرة التنمر والسخرية من المرضى، خاصة أصحاب الاضطرابات النفسية، وذلك لحماية القيم الإنسانية وتعزيز التسامح والتعاطف. هذه الظواهر ليست مجرد تصرفات فردية، بل هي جريمة قانونية وأخلاقية تهدد نسيج المجتمع. لذا، تلتزم دار الإفتاء المصرية بالدعوة إلى ضرورة التصدي لهذه الظاهرة والتوعية بمخاطرها، في إطار تعزيز ثقافة الاعتذار والتراحم بين أفراد المجتمع.