عاجل

كيف يُحدث قانون العمل الجديد فرقًا في حياة 30 مليون عامل؟

قانون العمل
قانون العمل

صدّق الرئيس عبد الفتاح السيسي على القانون رقم 14 لعام 2025 بتاريخ 3 مايو 2025، في خطوة مهمة تهدف إلى تحديث الإطار القانوني المنظم لعلاقات العمل بما يتماشى مع التغيرات الاقتصادية والاجتماعية وسوق العمل العالمي. جاء هذا القانون بديلاً للقانون رقم 12 لسنة 2003.

دوافع إصدار قانون عمل جديد

ووفقًا لدراسة أعدها المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، تمثلت أبرز الدوافع لإصدار القانون الجديد، الانتقادات الواسعة بشأن قصوره في حماية حقوق العمال، خاصة مع ازدياد الاعتماد على العمالة غير المنتظمة، وتوسع الاقتصاد غير الرسمي. ومن أبرز الدوافع ما يلي:

ظهور أنماط جديدة من العمل مثل ” العمل المرن والعمل عن بعد”. والتي طرأت على سوق العمل في ظل التغيرات المستمرة لأكثر من عشرين عاما من اصدار القانون السابق في عام 2003.

تراكم النزاعات العمالية إثر ضعف تنظيم العلاقة بين صاحب العمل والعامل في القانون السابق واتساع فجوة الحماية الاجتماعية، خاصة للعمالة الغير منتظمة.
الحاجة إلى مواءمة التشريعات الوطنية مع الاتفاقيات الدولية الموقعة من جانب مصر.

أصبحت حماية حقوق العمال إضافة لكونها التزاما أخلاقيا، فهي أيضا ركيزة أساسية لتعزيز النمو الاقتصادي المستدام وضمان الاستفادة الكاملة من البرامج التجارية التفضيلية مع الشركاء الدوليين الرئيسيين، حيث تضع الدول والكيانات الاقتصادية الكبرى شروطًا صارمة تتعلق بمعايير العمل اللائق وحقوق العمال كجزء لا يتجزأ من اتفاقياتها التجارية وبرامجها التفضيلية. هذه الشروط لا تهدف فقط إلى ضمان بيئة عمل عادلة وإنسانية، بل تعكس أيضًا قناعة متزايدة بأن احترام حقوق العمال ينعكس بالضرورة على الزيادة الإنتاجية، وتعزيز الاستقرار الاجتماعي. بالتالي، فإن الالتزام بمعايير العمل الدولية وحماية حقوق العمال يصبح بوابة رئيسية لدخول الأسواق العالمية، مما يعود بالنفع على الاقتصاد الوطني ككل.

في هذا الإطار يهدف المقال إلى تقديم تحليل شامل لمضامين قانون العمل الجديد رقم 14 لسنة 2025، من خلال مقارنة تفصيلية بين القانون السابق وتعديلاته والوقوف على اهم التوصيات لضمان فاعلية التنفيذ.

أولا: أبرز التعديلات والمستجدات في القانون رقم 14 لسنة 2025:

احتوى القانون على العديد من التعديلات وتمثلت أبرزها فيما يلي:

نص المادة 18 من ” الباب الأول: التدريب” الخاصة بإنشاء “المجلس الأعلى لتنمية مهارات الموارد البشرية “ويضم في عضويته ممثلين عن وزارات (الصحة، التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، التربية والتعليم والتعليم الفني التعليم العالي والبحث العلمي، الصناعة، الاستثمار والتجارة الخارجية، الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، التضامن الاجتماعي، قطاع الأعمال العام، التنمية المحلية، الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية، السياحة والآثار)، يرشحهم الوزراء المعنيون. وتكون مهمته وضع السياسات العامة لتنمية مهارات الموارد البشرية، وسياسات التدريب والتأهيل، وسياسات تدريب وتأهيل الأشخاص ذوي الإعاقة والأقزام والفئات الأولى بالرعاية بما يتفق مع السياسة العامة للدولة.

نص المادة 32 من “الفصل الأول – سياسات التشغيل” الخاصة بإنشاء ” المجلس الأعلى لتخطيط وتشغيل القوى العاملة في الداخل والخارج الذي يتولى رسم السياسة العامة لتشغيل العمالة في الداخل والخارج من واقع احتياجات سوق العمل والاستعداد لوظائف المستقبل، بما يتفق مع السياسة العامة للدولة ويصدر بتشكيل المجلس، واختصاصاته، ونظام العمل به قرار من رئيس مجلس الوزراء في مدة أقصاها ستة أشهر من تاريخ العمل بهذا القانون.

نص المادة 53 من باب تشغيل النساء على المساواة بين الجنسين في الأجر عن العمل ذي القيمة المتساوية، ويشمل ذلك كل صور الأجر وعناصره من مزايا نقدية أو عينية أو علاوات وحوافز وغيرها من الصور الأخرى. كما نصت المادة 45 للعاملة الحق في إجازة وضع لمدة أربعة أشهر، وتكون هذه الاجازة مدفوعة الأجر وألا تستحق الاجازة لأكثر من ثلاث مرات طوال مدة خدمتها وهو ما يتفق مع “الحد الأدنى لمعايير العمل التي تضعها منظمة العمل الدولية”. وحسب المادة 57 فقد تم زيادة مدد إجازة رعاية الطفل إلى ثلاث مرات طول فترة خدمة العاملة على ألا تقل المدة بين الاجازة الأولى والثانية عن سنتين. بينما نصت المادة 58 بأن ” للعاملة أن تنهي عقد العمل بسبب زواجها، أو حملها، أو انجابها على أن تخطر صاحب العمل كتابة برغبتها في ذلك خلال ثلاثة أشهر من تاريخ ابرام عقد الزواج، أو ثبوت الحمل، أو من تاريخ الوضع بحسب الأحوال.

تم إضافة فصل كامل ينظم ” أنماط العمل الجديدة” في المواد” 96، 97، 98، 99، 100″، والتي تخص العمل عن بعد والعمل المرن إضافة الى العمل الجزئي وتقاسم العمل، وتركت المادة 100 اصدار القرارات واللوائح المنظمة للوزير المختص بالتشاور مع المنظمات النقابية العمالية ومنظمات أصحاب الأعمال.
نص المادة 135 في الفصل السادس الخاص بواجبات العمال ومساءلتهم والتي تقضي بإلزام العامل للخضوع للاختبارات الطبية عن تعاطي المواد المخدرة أو الأمراض المعدية حينما يطلب منه صاحب العمل وعلى نفقته، على ان يتم الاختبار بالهيئة العامة للتأمين الصحي أو المعامل المركزية بوزارة الصحة.

تم حذف الاستثناء الذي كان منصوصًا عليه في المادة 97 من قانون العمل 2003، مما يعني أن العاملات في الزراعة أصبح لهن الحق في التمتع بكافة الحقوق والامتيازات التي يكفلها القانون، كذلك تم حذف الاستثناء الوارد في المادة 103، مما يعني أن الأطفال العاملين في الزراعة أصبحوا أيضا مشمولين بأحكام القانون المتعلقة بتشغيل الأطفال.

تم رفع سن التدريب للأطفال من 12 عام في القانون القدم إلى سن 14 عام في القانون الجديد وعلى الرغم من ان سن التدريب لم يصل إلى الحد الأدنى التي نصت عليه الاتفاقية 138 لمنظمة العمل الدولية الخاصة بتنظيم عمل الأطفال إلا أن الاتفاقية قد تركت للبلدان النامية خيار تحديد سن 14 عام كحد أدنى بوصفه اجراء انتقالي في سياق تعزيز أنظمتها التعليمية والاقتصادية ولكن بشرط ألا يؤدي الأطفال اعمالا خطرة وان يكونوا قد اتموا تعليمهم الالزامي.

تم استحداث الباب السادس والذي ينظم حالة العمل للعمالة الغير منتظمة والعاملين في القطاع الغير رسمي ففي المواد 76،77 حددت الفئات العمالة غير المنتظمة ” العمال الزراعيون الموسميون- عمال المقاولات- عمال البحر – المناجم – المحاجر” كما اختصت المواد 78- 85 بإنشاء صندوق اعانات الطوارئ والخدمات الاجتماعية والصحية للعمالة الغير منتظمة” واختصاصه وموارده.

تم تغيير أساس حساب العلاوة من “7% من الأجر الأساسي في المادة 34 في القانون السابق” إلى 3% من الأجر التأميني في المادة 102 في القانون الجديد. (يُذكر أن الأجر التأميني غالبًا ما يكون أعلى من الأجر الأساسي، مما قد يعوض عن انخفاض نسبة العلاوة).

أنهى القانون الجديد التطبيق التعسفي لاستمارة 6 التي كانت تُستخدم كأداة للفصل التعسفي. حيث أجرى تعديلات تنظيمية صارمة على آلية استخدامها من خلال المادة رقم 167 التي تقضي بأن يقدم العامل استقالته كتابة لصاحب العمل بشرط أن تكون موقعة منه أو من وكيله الخاص، ومعتمدة من الجهة الإدارية المختصة. ولا تنتهي خدمة العامل إلا بالقرار الصادر بقبول الاستقالة، وعلى العامل أن يستمر في العمل إلى أن تبت جهة عمله في الاستقالة خلال عشرة أيام من تاريخ تقديمها، وإلا اعتبرت مقبولة بفوات هذه المدة، وللعامل المستقيل أو وكيله الخاص العدول عن الاستقالة خلال عشرة أيام من تاريخ إخطاره بقبول صاحب العمل الاستقالة على أن يكون هذا العدول مكتوبًا ومعتمدًا من الجهة الإدارية المختصة وفى هذه الحالة تعتبر الاستقالة كأن لم تكن.

تقضي المادة 176: بإنشاء المحاكم العمالية المتخصصة، والتي تكون مهمتها النظر في النزاعات الناشئة عن تطبيق احكام القوانين واللوائح المنظمة لعلاقات العمل كافة.

تقضي المادة 188: بإنشاء المجلس الأعلى للتشاور الاجتماعي، والذي يهدف إلى تعزيز التعاون والتشاور والحوار بين أطراف العمل الثلاثة في جميع قضايا العمل.

نص المادة 264 بإنشاء “المجلس الأعلى للسلامة والصحة المهنية وتأمين بيئة العمل”، برئاسة الوزير المختص، وعضوية ممثلين عن الوزارات والجهات المختصة، وعدد متساو من ممثلي كل من منظمات أصحاب الأعمال المعنية. ويتولى المجلس رسم السياسة العامة في هذه المجالات واقتراح ما يلزم في شأن تنفيذها بما يتفق مع السياسة العامة للدولة.

ثانيا: مقارنة بين القانون السابق والجديد

 

 

ثالثا: تقييم قانون العمل المصري الجديد رقم 14 لسنة 2025

يُمثل قانون العمل الجديد خطوة تشريعية متقدمة حيث راعى أنماط العمل الحديثة مثل العمل المرن والعمل عن بعد. كما عزز من حماية المرأة العاملة ومد الإجازات المقررة لها، وأعاد الاعتبار للعدالة الناجزة من خلال استحداث المحاكم العمالية المتخصصة كما توائم بشكل كبير مع المعايير الدولية خاصة فيما يتعلق بعمالة الأطفال والتحديات التي تعرقل تمكين النساء.

ورغم ما يحمله القانون من إيجابيات واضحة، إلا أنه لا يخلو من بعض التحديات التي قد تؤثر على فعالية تطبيقه أو تحقق العدالة المرجوة منه ولكن يمكن تداركها بشكل جيد في اللائحة التنفيذية ومنها:

مرونة بعض النصوص التي تُرك أمر تفصيلها للوائح التي يصدرها الوزير المختص، كما هو الحال في أنماط العمل الجديدة التي لم تُحدد آليات واضحة لتنفيذها أو ضمانات حماية العاملين بها، مما قد يفتح بابًا واسعًا للاجتهاد أو التباطؤ الإداري في تفعيل هذه الحقوق.
السماح بتجديد العقود المؤقتة أكثر من مرة دون تحويلها إلى عقد دائم إلا بعد مرور أربع سنوات متصلة، قد يُستغل من قبل بعض أصحاب الأعمال للتهرب من الالتزامات طويلة الأجل تجاه العمال، لا سيما في القطاع الخاص، بما قد يُقوض مبدأ الأمان الوظيفي ويعيد إنتاج الهشاشة التي طالما عانى منها العاملون بعقود مؤقتة.

استحداث المواد التي تتيح للمرأة إنهاء عقدها بمبرر الزواج أو الحمل أو الإنجاب، قد تبدو في ظاهرها داعمة للمرأة، إلا أنها قد تُستخدم كذريعة من بعض أصحاب الأعمال لتقليل توظيف النساء، خشية انسحابهن المفاجئ من العمل.

يُعد اشتراط موافقة لجنة ثلاثية لاتخاذ أي إجراء بإغلاق المنشأة أو تقليص حجم العمالة في تطبيق احكام المادة 236، رغم كونه إجراءً حمائيًا، إلا أنه قد يُنظر إليه من بعض المستثمرين باعتباره تقييدًا مرهقًا لحرية إدارة المشروعات، ما قد يخلق تخوفات في أوساط مجتمع الأعمال، ما لم تُصاحب هذه الإجراءات شفافية وسرعة في البت والقرار خاصة في ظل عدم اشتمال المادة على وجود متخصص في مجال هذا العمل ضمن اللجنة واقتصارها على ممثلاً عن المنظمة النقابية العمالية المعنية، وممثلاً عن منظمة أصحاب الأعمال المعنية فقط.

رغم استحداث كيانات مؤسسية مهمة كالمحاكم العمالية والمجلس الأعلى للتشاور الاجتماعي، إلا أن القانون لم يحدد خطة زمنية أو صلاحيات تنفيذية واضحة لهذه الكيانات، مما يهدد بتحويلها إلى هياكل شكلية ما لم يتم تدارك ذلك في اللوائح المكملة والقرارات اللاحقة للوزراء المختصين.

يعكس اعتماد قانون العمل الجديد على إنشاء عدد من المجالس العليا المتخصصة (مثل مجلس تنمية مهارات الموارد البشرية، ومجلس التشغيل، ومجلس التشاور الاجتماعي، ومجلس السلامة والصحة المهنية) توجّهًا نحو تعزيز التخصصية والحوار بين أطراف العمل، ووضع سياسات تتماشى مع احتياجات سوق العمل ومعايير العمل الدولية. ورغم ما يوفره هذا التوجه من فرص لدعم التشاركية وتطوير السياسات، إلا أن تعدد هذه الكيانات قد يثير بعض التحديات المرتبطة بإمكانية تداخل الأدوار أو بطء التنسيق بينها، مما قد يؤثر على كفاءة التنفيذ ويحد من الأثر المتوقع ما لم تُحدَّد آليات واضحة لضمان التكامل بينها وتفعيلها بشكل يضمن قدرتها على التأثير واحداث فارق في سوق العمل.

رابعا: تحديات لم يعالجها القانون رغم ضرورتها

رغم الطابع الإصلاحي العام لقانون العمل الجديد، إلا أن بعض الملفات الجوهرية لا تزال غائبة عن الإطار التشريعي، وكان من الضروري معالجتها صراحة لضمان شمولية الحماية، يأتي في مقدمتها ما يلي:

غياب تنظيم العمالة المنزلية، وهو مطلب طالما تبنّته منظمات حقوق المرأة والنقابات العمالية، نظرًا لما يشهده هذا القطاع من هشاشة وافتقار لأبسط ضمانات الأجر العادل وساعات العمل الآمنة.

لم يتطرق القانون إلى آليات دعم التوازن بين العمل والحياة الأسرية للرجال، مكتفيًا بمنح إجازة ليوم واحد في حالة ولادة الطفل وهي الحد الأدنى بين الدول، دون الإشارة إلى إجازات أبوية مرنة أو ممتدة، وهي أدوات ضرورية لتحقيق قوانين عادلة وأكثر شمولية اتجهت العديد من الدول لتطبيقها مثل اسبانيا ” 16 أسبوعا” وفرنسا “25 يوم”، والمغرب” 15 يوم” وسلطنة عمان 7 أيام، وقطر ولبنان 3 أيام.

ولضمان تفعيل قانون العمل الجديد بصورة تحقق العدالة الاجتماعية وتحفظ كرامة العامل، من الضروري اتخاذ حزمة من الإجراءات التشريعية والتنفيذية المكملة منها ما يلي:

إصدار لائحة تنفيذية شاملة توضح تفاصيل تطبيق أنماط العمل المستحدثة، لا سيما ما يتعلق بالعمل المرن والعمل عن بعد.

إدراج حقوق العمالة المنزلية بشكل صريح، من خلال قانون مستقل مثلما أشار السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي بسرعة الانتهاء من إعداد مشروع قانون ينظم العمالة المنزلية، وإطلاق حوار اجتماعي شامل يضم جميع الأطراف المعنية في احتفالية عيد العمال مايو 2025.

تحديد جدول زمني لتفعيل المحاكم العمالية والمجلس الأعلى للتشاور الاجتماعي.

أخيرا؛ يُعد قانون العمل الجديد نقلة نوعية في تنظيم علاقات العمل، حيث يسهم في توفير بيئة عمل أكثر استقرارًا وعدالة، لاسيما لفئات العمالة غير المنتظمة التي عانت لفترات طويلة من التهميش وضعف الحماية. ويكتسب هذا القانون أهمية خاصة كونه يخدم ما يقرب من 30 مليون عامل مصري في مختلف القطاعات، ما يجعله أحد الركائز الأساسية لتحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية الاقتصادية المستدامة.

تم نسخ الرابط