لماذا ربط القرآن بين تعظيم شعائر الله وتقوى القلوب؟.. الأزهر يوضح

أكد الدكتور علي مهدي، أستاذ الفقه بجامعة الأزهر، أن تعظيم شعائر الله يمثل ذروة الخضوع والإجلال، قائلًا إن الخضوع لله سبحانه وتعالى يجب أن يكون خضوعًا كاملًا في الحس والمعنى، لأن ذلك يعكس احترامًا عميقًا لشعائر الله ومقاماتها.
تعظيم الشعائر
واستشهد في حديثه بقول ابن عباس رضي الله عنه في تفسيره لقوله تعالى: "ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب": "إن تعظيم شعائر الله معناها استسمانها واستحسانها"، أي اختيار الأفضل والأجود في كل ما يُقدَّم لله.
أفضل العبادات وأجودها
وأوضح مهدي، خلال مشاركته في اللقاء الأسبوعي للملتقى الفقهي بالجامع الأزهر تحت عنوان "ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب"، أن تقديم الأفضل والأجود في الطاعات والعبادات يُعد مظهرًا جليًّا من مظاهر تعظيم الشعائر، مستشهدًا بما رواه عبد الله بن عمر عن والده عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حين أهدى "بختيًا" -وهو نوع فاخر من الإبل-، وعُرض عليه ثلاثمائة دينار مقابله، فاستشار النبي صلى الله عليه وسلم في بيعه وشراء بدنٍ بديل، فأجابه النبي بقوله: "لا، انحره".

وقال: "لو كان بيع الهدي بعد أن تعين في النذر جائزًا، لأذن به النبي صلى الله عليه وسلم، لكن تعظيم الشعيرة اقتضى الإبقاء على البختي، لأنه أفضل وأجود، وفيه فائدة أعظم للفقراء والمساكين".
التزام شامل
وأضاف أن تعظيم الشعائر لا يقتصر على الأفعال الظاهرة فقط، بل هو التزام شامل يشمل الظاهر والباطن، ويقتضي الاستقامة الكاملة على أمر الله، والصدق في التوجه إليه، والتخلق بأخلاق الإسلام مع الخلق.
صدق النية
وأشار إلى أن المسلم مطالب بأن يكون صادقًا في نيته، مستقيمًا في سلوكه، نقيًا في قلبه، فلا يُخادع الله ولا يحتال على أحكامه، محذرًا من بعض الممارسات التي تدخل في باب التحايل، كالتقصير في أداء الذكاة أو محاولة التفلت من الزكاة، قائلًا: "هذه التصرفات لا تنم إلا عن خلل في تعظيم شعائر الله، لأن الشعائر جاءت لبناء الإنسان بناءً سليمًا خاليًا من الاعوجاج".

التقوى سلوك عملي
وفي سياق متصل، قال الدكتور ربيع الغفير، أستاذ اللغويات بجامعة الأزهر، إن التقوى في جوهرها ليست مجرد شعور داخلي أو نية خفية، بل هي سلوك عملي يعبر عن ذاته في كل قول وفعل، ولهذا ارتبط تعظيم شعائر الله ارتباطًا وثيقًا بالتقوى في القرآن الكريم، لكونه أحد تجلياتها وأبرز علامات وجودها في القلب.
قلوب مؤهلة
وأوضح الغفير أن القلوب المتوكلة على الله والتي لا ترجو سواه، هي وحدها المؤهلة لنيل العطايا الإلهية، لأن تعظيم الشعائر هو بوصلة القلب التي توجه الإنسان نحو طاعة الله ومرضاته، مشددًا على أن القلب التقي هو الذي يستشعر عظمة الله في كل شعيرة، ما يدفعه إلى الالتزام الكامل والتسليم التام.
وأضاف أن مفهوم شعائر الله لا يقتصر على العبادات الظاهرة فحسب، بل يشمل كل مجالات الحياة: من العبادة إلى العمل، ومن العلم إلى الأخلاق، وأن كل تصرف يصدر عن المسلم يمكن أن يكون تعظيمًا لشعائر الله إذا كان خالصًا لوجهه الكريم.
يُذكر أن الملتقى الفقهي بالجامع الأزهر يُعقد كل يوم إثنين أسبوعيًا تحت رعاية فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، وبتوجيهات من الدكتور محمد الضويني، وكيل الأزهر، ويهدف إلى مناقشة القضايا والمسائل الفقهية المعاصرة التي تواجه المسلمين، والعمل على تقديم حلول شرعية لها برؤية معاصرة تراعي الواقع وتلتزم بأصول الشريعة الإسلامية.