موسى عليه السلام.. النبي الأكثر ذُكرا في القرآن الكريم «سيرة النضال والنبوة»

في كتاب الله العزيز، يحتل نبي الله موسى عليه السلام موقعًا فريدًا بين سائر الأنبياء، ليس فقط بعِظم الابتلاءات التي واجهها، بل بعدد مرات ذكر اسمه، إذ يُعد النبي الأكثر ذكرًا في القرآن الكريم، حيث ورد اسمه أكثر من 130 مرة، في سياقات متعددة ومواقف متنوعة، جعلت من قصته واحدة من أغنى وأعمق القصص النبوية.
قصة موسى عليه السلام
قصة موسى عليه السلام تتوزع على أكثر من عشر سور، أبرزها “القصص”، “طه”، و”الأعراف”، وتبدأ منذ ولادته في مصر تحت حكم فرعون، الذي أمر بقتل مواليد بني إسرائيل الذكور، مما اضطر أمه إلى وضعه في التابوت وإلقائه في اليم، لتأخذه أسرة فرعون ويُربَّى في قصر الطغيان الذي سيُبعث لاحقًا لهدمه.
وتتوالى محطات القصة: من قتله المصري خطأً، وهروبه إلى مدين، وزواجه، وعودته برسالة السماء، إلى لحظة المواجهة التاريخية مع فرعون، ثم معجزة العصا وشق البحر، وهلاك الطاغية وجنوده.
تُبرز القصة صفات موسى القيادية والإنسانية، وتُسلط الضوء على مواقف عظيمة من الصبر، والثقة في وعد الله، والدعاء، والانتصار للحق، فضلًا عن تفاصيل تشريعية هامة أُنزلت على يده لبني إسرائيل
بدأت قصة نبي الله موسى عليه السلام منذ لحظة ولادته في مصر، عندما كان فرعون قد أمر بقتل جميع مواليد بني إسرائيل الذكور، خوفًا من أن يظهر فيهم من يهدد سلطته. لكن الله سبحانه وتعالى كان قد هيأ لموسى أن يكون له دور عظيم في هذه الأمة. في لحظة حرجة، ألهم الله أم موسى بأن تضعه في صندوق صغير وتلقيه في النهر. وبالفعل، حمله النهر إلى قصر فرعون، الذي استلطفه وأمر بأن يُربى في بيته، رغم أنه كان سببًا في تهديد عرش فرعون.
ترعرع موسى في قصر فرعون، وبينما كان يعيش حياة النعيم، كان قلبه لا يزال متعلقًا بقومه بني إسرائيل، الذين كانوا يرزحون تحت وطأة ظلم فرعون. وفي يوم من الأيام، وقع حادث كان له أثر عميق على موسى، فقد قتل رجلًا مصريًا عن غير عمد، عندما تدخل لحماية أحد بني إسرائيل. خشية أن يكتشف أمره، قرر موسى الهروب من مصر.
الهروب إلى مدين وبداية الدعوة
في مدين، التقى موسى بشعيب عليه السلام، وتزوج ابنته وعاش هناك لعدة سنوات. لكن الله سبحانه وتعالى لم ينسَ موسى، بل أعده لرسالة عظيمة. ففي أحد الأيام وهو في الوادي المقدس، ناداه الله من الشجرة: “إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ”. وهكذا، بدأ موسى مهمته النبوية بدعوة فرعون إلى عبادة الله وحده وترك الظلم والطغيان.
المعجزات والمواجهة مع فرعون
كانت مهمة موسى في مواجهة فرعون شاقة للغاية، فقد كان فرعون طاغية متكبرًا، يزعم الألوهية. ولكن الله سبحانه وتعالى منح موسى معجزات كبيرة تدعم دعوته، مثل العصا التي تحولت إلى حية، وفلق البحر ليعبر موسى وقومه، وغيرها من الآيات الكبرى التي أقنعت الكثير من الناس بصدق رسالته.
لكن فرعون أصر على عناده، فأرسل الله عليه آيات متعددة من الطوفان والجراد والضفادع، ولكن فرعون ظل مكابرًا. وفي النهاية، حين قرر موسى وقومه الهروب، فتح الله له البحر ليعبروا، ولكن حين لحقهم فرعون وجنوده، أغرقهم الله في البحر.
الفتنة بعد الخروج من مصر
بعد أن نجا موسى وقومه، مروا بمراحل صعبة من الفتنة والبلاء. فقد رأى بنو إسرائيل الكثير من المعجزات، ولكنهم سرعان ما وقعوا في فتنة العجل الذهبي، عندما تركوا موسى فترة من الزمن. وعلى الرغم من هذه المحن، كان موسى يدعوهم للعودة إلى الطريق المستقيم والتمسك بتعاليم الله.
دروس وعبر من قصة موسى عليه السلام
قصة موسى عليه السلام تحتوي على العديد من الدروس المستفادة. أولًا، إنها تذكرنا بأهمية الإيمان بالله والتوكل عليه في وقت الشدائد. ثانيًا، تؤكد على أن الصبر والتحمل في مواجهة الطغيان والظلم هو أحد مفاتيح النصر. ثالثًا، تبرز دور القائد في الإصلاح، وكيف أن القيادة تتطلب التواضع والقدرة على تحمل المسؤولية