عاجل

رب إني مسني الضر.. همسة الضعف التي فتحت باب القدرة الإلهية

دعاء أيوب
دعاء أيوب

في خضم الأزمات واشتداد الكرب، كثيرًا ما يبحث الناس عن ملجأ يفتح أبواب الفرج ويُطمئن القلوب، وهنا تتجلى قيمة دعاء نبي الله أيوب عليه السلام، الذي أصبح رمزًا للصبر والثبات، وجسرًا بين العبد وربه في أحلك لحظات الابتلاء.

قال تعالى على لسان نبيه أيوب: “وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ” [الأنبياء: 83]، هذا الدعاء القصير في لفظه، عظيم في أثره، فحين أصابه المرض وفقد ماله وأهله، لم يفقد رجاءه، بل لجأ إلى خالقه بكلمات تمزج بين الاعتراف بالضعف والتسليم المطلق برحمة الله.

دعاء جامع بين الأدب والتوسل

يوضح علماء التفسير أن دعاء أيوب عليه السلام جمع بين التواضع والأدب؛ إذ لم يُحدد نوع الضر، ولم يُلحّ بطلب معين، وإنما اكتفى بوصف حاله وتذكير بصفة من صفات الله: الرحمة، ليكون في ذلك تعليمٌ لكل مبتلى، أن التضرع الصادق لا يحتاج كثرة كلام، بل صفاء نية وثقة في الإجابة.

الاستجابة العاجلة.. نموذج يُحتذى

وفي الآية التالية، جاء الرد الإلهي سريعًا ومباشرًا:
“فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ…” [الأنبياء: 84]، ليتحوّل الدعاء إلى دليل عملي على أن البلاء مهما طال، فإن فرج الله أقرب مما يتخيل الإنسان، وأن باب السماء لا يُغلق أبدًا في وجه الداعين.

دعاء للواقع اليومي

يدعو العلماء والمسلمون هذا الدعاء في كثير من الأوقات التي تتعسر فيها الأمور أو يشتد فيها الألم الجسدي أو النفسي، لما له من وقع في النفس وشحن للقلوب باليقين. فهو لا يُستخدم فقط في المرض، بل في كل أحوال الضيق، كونه يحمل في طياته رسالة خفية: أن الله يعلم، ويرى، ويرحم، ويستجيب.

قصة سيدنا أيوب عليه السلام:

نبي ابتلاه الله في جسده وماله وأهله، فما وهن، وما جزع، وما سخط، بل صبر ورضي، فكان قدوة لكل مبتلى. إنه أيوب عليه السلام، نبي الصبر وصاحب البلاء العظيم.

كان سيدنا أيوب من نسل سيدنا إسحاق بن إبراهيم عليهما السلام، وقد أنعم الله عليه بمال وفير، وصحة قوية، وأولاد كثيرين. لكنه لم يغترّ بتلك النعم، بل كان شاكرًا عابدًا، يدعو الناس إلى عبادة الله وحده. فكان مثالاً في الغنى والرضا.

الابتلاء الكبير:

شاءت حكمة الله أن يبتليه ليكون درسًا للبشرية، فسُلب ماله، وفقد أولاده، وأصيب بمرض عضال أقعده سنوات طويلة. وابتعد عنه الناس، إلا زوجته الصابرة الوفية، التي ظلت ترعاه رغم شدة البلاء.

ورغم كل ذلك، لم يصدر منه شكوى، ولم يتبرم، بل ظل يردد دعاءه الخالد:
“رَبِّ إِنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ” [الأنبياء: 83]

فرج بعد صبر:

استجاب الله دعاء نبيه، وقال له:
“ارْكُضْ بِرِجْلِكَ ۖ هَٰذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ” [ص: 42]
فركل الأرض، فانفجر منها ماء، اغتسل به فشُفي جسده، وشرب منه فعادت إليه صحته. ورد الله عليه ماله وأهله ومثلهم معهم، ورفع ذكره إلى يوم الدين.

الرسالة الخالدة:

لم تكن قصة أيوب قصة مرض وشفاء فحسب، بل هي قصة إيمان عميق، وتجرد من الدنيا، وثقة لا تهتز برحمة الله. تعلمنا أن البلاء لا يعني غضب الله، بل قد يكون اختبارًا للقلوب، وأن الفرج دائمًا يأتي، مهما طال الانتظار.

تم نسخ الرابط