هل يدخل المسلم الجنة بعمله؟.. مفتي الجمهورية يوضح التوفيق بين الحديث والآيات

يتكرر بين المسلمين سؤال عميق: هل العمل وحده يُدخِل الجنة؟ كيف نفهم حديث النبي ﷺ: "لن يدخل أحدَكم عملُه الجنة"، في حين يقول الله عز وجل: ﴿ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾؟
سؤال مشروع يستحق التأمل والبيان، وقد أجاب عنه الدكتور نظير محمد عياد، مفتي الجمهورية، عبر الموقع الرسمي لدار الإفتاء المصرية، موضحًا حقيقة العلاقة بين العمل، والرحمة، والجنة.
أولًا: ما صحة الحديث النبوي؟
الحديث الشريف وارد في الصحيحين، عن النبي ﷺ أنه قال:
"سَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا، فَإِنَّهُ لا يُدْخِلُ أَحَدًا الجَنَّةَ عَمَلُهُ"، قالوا: "ولا أنت يا رسول الله؟"، قال: "ولا أنا، إلا أن يتغمَّدني الله بمغفرةٍ ورحمةٍ".
وهذا الحديث صحيح باتفاق العلماء، وقد ورد بألفاظ متعددة، وكلها تدل على فضل الله الواسع، وأن دخول الجنة ليس استحقاقًا محضًا بالعمل، وإنما هو بفضل من الله ورحمته.
ثانيًا: كيف نفهم الآيات التي تثبت دخول الجنة بالعمل؟
الآيات الكريمة، مثل:
﴿ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [النحل: 32]
﴿وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [الزخرف: 72]
تُظهر أن العمل سبب لدخول الجنة، وهي آيات حق لا تُعارض الحديث، بل تكشف عن جانب آخر من الحقيقة.
وقد بيّن مفتي الجمهورية أن المقصود أن الأعمال الصالحة تُهيِّئ الإنسان لرحمة الله، لكنها لا تُساوي أبدًا نعيم الجنة الأبدي، لأن الجنة لا تُشترى بثمن من أعمال البشر المحدودة.
ثالثًا: أقوال العلماء في الجمع بين الحديث والآيات
اعتمد الدكتور نظير عياد في شرحه على أقوال الأئمة والمفسرين:
ابن رجب الحنبلي: "دخول الجنة محض فضل، ولكن تفاوت المنازل فيها على قدر الأعمال".
ابن القيم: "الأعمال سبب للرحمة، والرحمة هي التي تُدخِل الجنة".
القاضي عياض: "رحمة الله لا تنفك عن العبد، حتى في توفيقه للعمل نفسه".
القرطبي: "نص الحديث يثبت أن الجنة لا تُستحق بعمل، والآية تُبيِّن أن العمل طريق إلى الرحمة".
الشافعي: "الحديث نفي للجزاء المستحق، والآية إثبات للسببية".
رابعًا: مثال نبوي بليغ يشرح المعنى
روي أن عبدًا عبد الله خمسمائة سنة، فقيل له: ادخل الجنة برحمتي. فقال: بل بعملي. فوزن الله عمله بنعمة البصر فقط، فطغت النعمة، وكادت تذهب بكل حسناته.
فقال: بل برحمتك يا رب.
وهنا تظهر الرسالة الإيمانية الكبرى: حتى النِّعَم التي نعيش بها، هي أكبر من أن نوفيها حقها.
خامسًا: لماذا نعمل إذن؟
قد يتبادر إلى ذهن البعض: ما دام دخول الجنة برحمة الله، فلماذا نعمل؟، والإجابة أن العمل هو طريق التزكية والقبول والاستحقاق للرحمة، كما قال تعالى: ﴿إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [الأعراف: 56].
فكل طاعة، وكل توبة، وكل صبر، وكل إحسان، هو قُرب من رحمة الله. ونحن نرجو أن يشملنا الله بها، ويكرمنا بجنته.
سادسًا: الدروس المستفادة
- لا تغتر بعملك، فحتى النبي ﷺ لم يدخل الجنة إلا برحمة ربه.
- اعمل واجتهد، لكن دائمًا اسأل الله القبول، فإن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن.
- استشعر فضل الله دائمًا، ولا تيأس، فإن رحمته وسعت كل شيء.
- الدعاء وسيلة عظيمة لنيل الرحمة، فكن ممن يكثر من "اللهم اجعلنا من أهل جنتك برحمتك".
خلاصة الفتوى
أكد الدكتور نظير محمد عياد، مفتي الجمهورية، أن دخول الجنة لا يكون بمحض العمل، وإنما برحمة الله وحدها، والعمل سبب من أسبابها. ولا تعارض بين الحديث والآيات، بل كل منهما يسلط الضوء على جانب من الحقيقة الربانية: العمل سبب، والرحمة هي الأساس.