ما جزاء من يقابل الإساءة بالإحسان؟.. العلماء يوضحون

في وقت يتعرض فيه بعض الأشخاص للمواقف الاستفزازية، يبرز خلق نادر يختبر به الإنسان إنسانيته وإيمانه الحقيقي: أن يُقابل الإساءة بالإحسان، والعداوة بالعفو، والغلظة بالرحمة. وعلى الرغم من صعوبة هذا الموقف على النفس، إلا أن الشريعة الإسلامية أكّدت أن من يصبر ويعفو ويحسن لمن أساء إليه، فإنه يحظى بأعلى الدرجات عند الله، ويؤجر أجرًا عظيمًا، ويملك بذلك مفاتيح القلوب وقلوب الخصوم قبل الأحباب.
قرآنٌ يهدي وأحاديث ترشد
قال تعالى في محكم كتابه: ﴿وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾ [فصّلت: 34]، وهي آية جامعة توضّح أثر الإحسان في إذابة العداوة وتحويل القلوب المتنافرة إلى قلوب متآلفة.
ويوضّح النبي صلى الله عليه وسلم في حديث شريف أن هذا الخلق من أعلى مراتب الإيمان، فقد قال: “وما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزًا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله” [رواه مسلم]. فالجزاء ليس فقط في الآخرة، بل ينال العبد رفعة وعزًا في الدنيا أيضًا.
من أخلاق الأنبياء والعارفين
وكان هذا النهج خلقًا أصيلاً في حياة الأنبياء، وعلى رأسهم النبي محمد صلى الله عليه وسلم، الذي كان يرد الإساءة بالصفح، ويقابل الأذى بالإكرام. فعندما عاد إلى مكة فاتحًا، خاطب من آذوه وطردوه قائلًا: “اذهبوا فأنتم الطلقاء”، عافيًا عنهم رغم مقدرته على الانتقام.
وفي سيرة يوسف عليه السلام، لمّا واجه إخوته الذين ألقوه في الجبّ وباعوه بثمن بخس، قال لهم عند لقائهم بعد سنين: ﴿لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ﴾ [يوسف: 92]، فكان جزاؤه تمكينًا في الأرض ومكانة في القلوب.
أثر الإحسان في العلاقات الإنسانية
الإحسان عند الإساءة ليس ضعفًا، بل هو قمة القوة الأخلاقية والنفسية. ومن يتخلق بهذا الخلق يطفئ نيران العداوة في المجتمعات ويكون سببًا في نشر السكينة بين الناس. كما أن هذا السلوك ينعكس على النفس بالراحة والطمأنينة، ويطهّر القلب من الحقد والغل، ويزيد المرء نورًا في وجهه وبركة في رزقه
ثمرات دنيوية ملموسة
الإحسان في وجه الإساءة يعود على صاحبه براحة داخلية، وصفاء نفسي، وعلاقات أكثر ثباتًا. كما أنه يجذب قلوب الناس، ويجعل صاحبه قدوة ومحل احترام. من يقابل الإساءة بالإحسان يملك نضجًا عاطفيًا ونفسيًا يمنحه ثقة، ويحرره من أسر الغضب والكراهية.
وجزاء في الآخرة لا يُقدّر بثمن
أما في الآخرة، فقد وعد الله المحسنين بأعظم الجزاء، فقال:
﴿هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ﴾ [الرحمن: 60].
وفي تفسير الآية، قال أهل العلم: إن جزاء الإحسان من الله يكون من جنسه، فيُقابل الله عفو العبد بعفوه، ويُبدل سيئاته حسنات، ويُكرمه في جنات النعيم.
ويقول النبي ﷺ: “إن الرجل ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم” [رواه الترمذي]، ومن أعظم صور حسن الخلق: الحلم عند الغضب، والعفو عند القدرة