فلسفة الإسلام في حقوق الإنسان.. عدالة ورحمة وإنصاف للجميع

في وقت تتزايد فيه الدعوات العالمية لحماية حقوق الإنسان، يبرز الإسلام بمنهجه المتوازن والفريد، كدين راعى الإنسان وكرّمه منذ أكثر من 1400 عام، وجعل من الحفاظ على كرامته وحريته وحقه في الحياة أصلًا من أصول الشريعة.
دار الإفتاء المصرية أوضحت، في فتوى منشورة على موقعها الرسمي، أن فلسفة الإسلام في حقوق الإنسان قائمة على قيم العدل، والرحمة، والتكريم، والمساواة بين الناس، دون تمييز في العِرق أو اللون أو اللغة أو الدين.
الإنسان في صميم مقاصد الشريعة
تؤكد دار الإفتاء المصرية أن الشريعة الإسلامية وضعت الإنسان محورًا أساسيًّا في تشريعاتها، وراعت احتياجاته الروحية والمادية، فحفظت له حقوقه الأساسية، وجعلت حماية النفس، والعقل، والدين، والمال، والعرض، من الضروريات الخمس التي تُبنى عليها الأحكام.
وقد شددت الفتوى على أن الإنسان مكرَّم في الإسلام تكريمًا مطلقًا لقوله تعالى:
{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [الإسراء: 70]، وهذا التكريم يندرج تحته كل صور الاحترام والحقوق التي تضمن له حياة آمنة كريمة.
حقوق الإنسان لا تتجزأ في الإسلام
ذكرت دار الإفتاء أن الإسلام لم يقتصر في حقوق الإنسان على جانب دون آخر، بل شمل الحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والدينية، فحرّم الاعتداء على النفس البشرية، ونهى عن الاستعباد، وأرسى قواعد الشورى والعدالة والحرية والمساواة.
كما أشار التقرير الصادر عن الفتوى إلى أن الإسلام رفض الظلم بكل صوره، واعتبره من كبائر الذنوب، وجعل من مقاومته واجبًا شرعيًا، سواء على مستوى الفرد أو المجتمع أو الدولة.
الرحمة والعدالة.. قلب فلسفة الحقوق
وفقًا لفتوى دار الإفتاء المصرية، فإن الرحمة مبدأ أصيل في التشريع الإسلامي، وهي ليست فقط مشاعر، بل أساس في إصدار الأحكام والتعامل بين الناس.
وهذا يظهر في قوله تعالى:
{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107]، حيث جعل الله رسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم قائمة على الرحمة، وهو ما يُشكِّل منطلقًا لكل الحقوق والواجبات في الإسلام.
أما العدالة فهي الركن الثاني، إذ لا تتحقق حقوق الإنسان بدون عدالة تحفظ التوازن بين الفرد والمجتمع، وتمنع الاستغلال والتعدي. قال تعالى:
{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ} [النحل: 90].
الإنسانية كلٌّ واحد.. والكرامة للجميع
لفتت الفتوى إلى أن الإسلام يرى أن الإنسانية كلها متضامنة في رفع الظلم، ونشر القيم الأخلاقية، وتحقيق الخير العام، وأن الاعتداء على أي نفس هو اعتداء على البشرية كلها، كما ورد في قوله تعالى:
{مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: 32].
هذا المبدأ يشكّل رؤية متقدمة، تدعو للتعايش والتفاهم، وتحترم حق كل إنسان في الحياة والأمن والحرية دون تمييز.
خلاصة القول: الإسلام دين حقوق منذ فجره الأول
أكّدت دار الإفتاء المصرية أن الإسلام ليس بحاجة إلى استيراد مفاهيم حقوق الإنسان من الخارج، فقد سبق الحضارات والمواثيق الدولية في إرساء دعائم الحقوق، ولكن بفلسفة ربانية تجمع بين التكليف والرحمة، وبين المسؤولية والكرامة.
ودعت الفتوى إلى ضرورة تجديد الخطاب الديني لبيان هذه المفاهيم بلغة معاصرة، وإظهار أن الدين الإسلامي يدعو إلى العدل والرحمة في كل زمان ومكان.