هل يعد الحزن والبكاء من الجزع والاعتراض على القدر؟.. الإفتاء توضح

يُعد الحزن والبكاء من المشاعر الإنسانية الطبيعية التي يمر بها الإنسان في مواقف الألم والفقد، ولكن يبقى السؤال حول ما إذا كان ذلك يُعد اعتراضًا على القدر أو جزعًا. وقد أجابت دار الإفتاء في هذه المسالة
مواقف للنبي صلى الله عليه وسلم والصحابة في مواجهة الحزن والبكاء
1. بكاء النبي صلى الله عليه وسلم عند وفاة ابنه إبراهيم
عندما توفي ابن النبي صلى الله عليه وسلم، إبراهيم، بكى النبي حزناً على فراقه. فقد ورد في الحديث الصحيح أن النبي قال: “إن العينَ تدمعُ، والقلبَ يحزنُ، ولا نقولُ إلا ما يُرضِي ربَّنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون” (رواه البخاري). في هذا الموقف، بكى النبي، لكنه مع ذلك أظهر التسليم لقضاء الله وقدره، مؤكدًا أن الحزن لا يتعارض مع الرضا الكامل بقضاء الله.
2. بكاء النبي صلى الله عليه وسلم عند وفاة أم المؤمنين خديجة
كانت خديجة رضي الله عنها أولى زوجات النبي صلى الله عليه وسلم وأحبهن إليه. بعد وفاتها، كان النبي يشعر بحزن شديد. في إحدى المرات، قالت السيدة عائشة رضي الله عنها إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يذكر خديجة بكثير من الحب، حتى أنه في إحدى المرات بكى عند ذكر اسمها. وكان النبي صلى الله عليه وسلم دائمًا يذكرها في مواقف عديدة، مما يعكس مكانتها الكبيرة في قلبه رغم قضاء الله.
3. بكاء الصحابة في مواقف مختلفة
كان الصحابة يمرون بمواقف مشابهة لحزن النبي صلى الله عليه وسلم، وكانوا يعبرون عن مشاعرهم بكاءً ولكن دون اعتراض على قضاء الله.
بكاء الصحابي أبو بكر الصديق عند وفاة النبي:
عندما توفي النبي صلى الله عليه وسلم، كان الصحابة في حالة من الحزن العميق. وعندما سمع أبو بكر الصديق الخبر، قال: “من كان يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت”. وقد بكى الصحابة جميعهم في هذا الموقف، وكان حزنهم يعكس الحب العميق للنبي لكنهم في ذات الوقت كانوا راضين بقضاء الله وقدره.
بكاء الصحابي عمر بن الخطاب في معركة أحد:
في معركة أحد، عندما أصيب النبي صلى الله عليه وسلم وظهرت علامات الخطر عليه، كان الصحابة في حالة من الحزن الشديد. كان عمر بن الخطاب يصرخ ويبكي ويقول: “يا رسول الله، كيف يكون هذا ونحن لا نقدر على شيء!” لكن النبي صلى الله عليه وسلم طمأنهم بقوله: “لا تراعوا، إن الله معنا”، وأظهر بذلك التسليم الكامل لقضاء الله. وقد كانت هذه لحظة حزينة، ولكنها لم تكن لحظة اعتراض.
بكاء الصحابية أسماء بنت أبي بكر في وفاة زوجها الزبير بن العوام
بعد وفاة زوجها الزبير بن العوام في معركة الجمل، كانت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها في غاية الحزن، لكنها تسلمت لقضاء الله وقدره. فقد كانت تقول: “إنا لله وإنا إليه راجعون”، وكانت تذكر زوجها بكل فخر وحب، موضحة أن الحزن لا يعني اعتراضًا على قضاء الله، بل هو شعور إنساني طبيعي.
حزن الصحابي خالد بن الوليد في وفاة رفاقه
كان خالد بن الوليد رضي الله عنه أحد أبرز القادة العسكريين في جيش المسلمين. في مواقف عديدة من الحروب، كان يتعرض لفقدان رفاقه في المعركة. في وفاة رفيقه في معركة مؤتة، قال خالد بن الوليد: “لقد سقط منا كثير من الصحابة، ولكن لا نعترض على قضاء الله، لأننا نعلم أن الموت لا يمكن تفاديه”. وكان خالد يظهر دائمًا في مواقفه حزنًا عميقًا على فقدان رفاقه، لكنه كان يعبر عن تسليمه الكامل بإرادة الله.
رأي دار الإفتاء في الحزن والبكاء
أوضحت دار الإفتاء المصرية في عدة فتاوى لها أن الحزن والبكاء هما من المشاعر الإنسانية الطبيعية التي لا تتعارض مع الإيمان بالله وبقضاءه وقدره. فقد أكد العلماء في دار الإفتاء أن البكاء ليس بالضرورة سخطًا على قضاء الله، بل هو تعبير عن الألم والحزن الذي يمر به الإنسان نتيجة لمواقف الحياة، مثل فقدان الأحباء أو تعرضه لمواقف صعبة. وقد أشاروا إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم نفسه بكى في عدة مواقف، مثل وفاة ابنه إبراهيم، ولم يُعتبر ذلك اعتراضًا على قضاء الله.
أما فيما يتعلق بالجزع، فقد شددت دار الإفتاء على أن الجزع هو حالة من السخط على قضاء الله، ويشمل الاعتراض بالكلمات أو الأفعال التي تُظهر استياءً من مشيئة الله. وأكدت أنه لا يجوز للمسلم أن يصل إلى درجة الجزع أو السخط عند مواجهة المصائب، بل يجب عليه أن يصبر ويحتسب الأجر عند الله.
فيما يلي بعض النقاط الرئيسية التي ذكرتها دار الإفتاء:
1. البكاء لا يعد اعتراضًا: البكاء هو رد فعل طبيعي عند فقدان شخص عزيز أو في مواقف الحزن، ولا يعد سخطًا على قضاء الله، إذا كان القلب راضيًا ومستسلمًا لما قدره الله.
2. الفرق بين الحزن والجزع: الحزن هو شعور طبيعي، أما الجزع فهو ما يُظهر استياء من حكم الله وقدره. ولذلك، من المهم أن يفرق المسلم بين الحزن الذي يتبعه الرضا والتسليم، وبين الجزع الذي قد يتسبب في السخط.
3. الصبر والاحتساب: الحزن أمر طبيعي، ولكن المسلم يُحث دائمًا على الصبر والاحتساب، لأن الصبر على البلاء والاحتساب عند الله يرفع الأجر ويزيد من الثواب