بهداهم اقتدي.. كيف كان الصحابة يهنئون بعضهم بعضًا في المناسبات ؟

تعد التهنئة من أسمى صور التواصل الاجتماعي بين الناس، فهي تعزز العلاقات، وتنشر المحبة والمودة. وقد كان الصحابة - رضي الله عنهم - حريصين على التهنئة في مختلف المناسبات الدينية والاجتماعية، مستخدمين عبارات تحمل معاني الدعاء والتمني بالخير. فكيف كانت تهانيهم؟ وما العبارات التي كانوا يتبادلونها؟
الصحابة والتهنئة بالأعياد
بحسب دار الإفتاء المصرية، فقد كان الصحابة يهنئون بعضهم بعضًا في العيد بعبارات مثل: "تقبل الله منا ومنكم"، وقد ورد ذلك عن الصحابي واثلة بن الأسقع رضي الله عنه. كما كان بعضهم يقول: "غفر الله لنا ولكم"، وهي تهنئة تحمل معاني الدعاء بالمغفرة والقبول، مما يعكس روح الإخاء التي كانت تسود بينهم.
وكانت هذه التهاني تأتي في سياق احتفال الصحابة بالعيد، حيث كانوا يلتقون بعد صلاة العيد ويتبادلون التحيات والدعوات الطيبة، وهي سنة حسنة توارثها المسلمون جيلًا بعد جيل.
التهنئة بحلول شهر رمضان
لم يكن الصحابة يقتصرون على التهنئة بالأعياد فقط، بل كانوا يهنئون بعضهم عند دخول شهر رمضان، فقد ورد عن الصحابي سلمان الفارسي رضي الله عنه أنه قال: "خطبنا رسول الله ﷺ في آخر يوم من شعبان، فقال: أيها الناس، قد أظلكم شهر عظيم مبارك..." إلى آخر الحديث.
وكانت التهنئة بقدوم رمضان تحمل معاني الفرحة والاستبشار بقدوم شهر الطاعة والمغفرة، وكانوا يدعون لبعضهم البعض بأن يعينهم الله على الصيام والقيام، وأن يبلغهم ليلة القدر.
التهنئة بالحج والعمرة
كان الصحابة كذلك يهنئون من عاد من الحج أو العمرة، ويسألون الله له القبول. وقد ورد عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يقول للحاج العائد: "تقبل الله حجك، وغفر ذنبك، وأخلف نفقتك".
وهذه التهاني لم تكن مجرد كلمات تقال، بل كانت تحمل في طياتها معاني صادقة من الدعاء، تعبيرًا عن الفرح بإتمام العبادات والطاعات.
التهنئة بالمناسبات السارة والانتصارات
لم تقتصر تهاني الصحابة على المناسبات الدينية فقط، بل كانوا يهنئون بعضهم في المناسبات السعيدة، مثل الزواج، والرزق بمولود جديد، والنجاح في أمر معين. كما كانوا يهنئون بعضهم عند تحقيق انتصارات المسلمين في المعارك، فيرددون التكبير والتهليل، ويحمدون الله على نعمه.
وقد ورد أن الصحابة هنأوا النبي ﷺ عند فتح مكة، حيث دخلوا عليه مهنئين بقولهم: "الحمد لله الذي نصرك وأعز دينك"، ما يدل على أهمية مشاركة الفرحة مع الآخرين، والتعبير عن السعادة بإنجازاتهم.
هل هناك صيغة محددة للتهنئة؟
بحسب ما أوضحته دار الإفتاء المصرية، فإنه لا يوجد نص شرعي يلزم بصيغة معينة للتهنئة، بل الأمر واسع، ويمكن للمسلم أن يستخدم أي عبارة تحمل معنى الدعاء بالخير، مثل:
"كل عام وأنتم بخير".
"بارك الله لك".
"جعله الله عيدًا سعيدًا عليك وعلى أهلك".
"تقبل الله طاعتكم".
وبذلك، فإن التهاني تعبير عن المودة، وأي عبارة تحقق هذا المعنى فهي جائزة ومستحبة.
كيف نطبق سنة التهنئة اليوم؟
إن سنة التهنئة كما فعلها الصحابة تعزز الترابط الاجتماعي بين المسلمين، وينبغي علينا اليوم أن نحيي هذه السنة، سواء بالمصافحة المباشرة، أو عبر الرسائل، أو حتى من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، خاصة في ظل انشغال الناس بأعمالهم.
كما أن التهنئة لا تقتصر على الكلمات فقط، بل يمكن أن تكون مصحوبة بزيارة، أو هدية رمزية، أو حتى دعاء صادق في ظهر الغيب، مما يعمّق مشاعر الأخوة بين المسلمين.
كانت التهنئة بين الصحابة رضي الله عنهم سمة بارزة في حياتهم، تعبر عن محبتهم لبعضهم، وتوثق أواصر الأخوة بينهم. وقد جاءت تهانيهم في مختلف المناسبات، مثل الأعياد، ورمضان، والحج، والانتصارات، والمناسبات السعيدة. ولم تكن التهاني محصورة في ألفاظ معينة، بل كانت مفتوحة لكل عبارة تحمل دعاءً بالخير.
وهكذا، فإن إحياء سنة التهنئة اليوم يسهم في تعزيز العلاقات الاجتماعية، ونشر روح المحبة بين المسلمين، وهو أمر مستحب حث عليه الإسلام.