كفاح منذ الطفولة.. عم بدري ميكانيكي المنيا الكفيف: نفسي أعالج عينيا واعمل عمرة

العم بدري، رجل تجاوز الستين من عمره، فقد بصره قبل أربعين عامًا، لكنه لم يفقد شغفه بمهنته التي ورثها عن آبائه وأجداده ميكانيكا السيارات، في محافظة المنيا، وتحديدًا في أحد الورش المتواضعة، تتجسد قصة إصرار وعزيمة فريدة من نوعها، وبأذنيه المرهفتين وخبرته العميقة، أصبح العم بدري أسطورة في عالم إصلاح السيارات، قادرًا على تشخيص أعقد الأعطال بمجرد الاستماع إلى صوت المحرك، متحديًا بذلك ظلام بصره بنور بصيرته.

أسمع أنين الموتور حاسة سادسة وهبها القدر للعم بدري
يقول العم بدري بصوت هادئ يحمل بين طياته سنوات من الخبرة والتحدي: أصبت بالعمى منذ أربعين عامًا، لكن هذه المهنة هي مصدر رزقي الوحيد الذي أعيش منه وأُعيل به أسرتي المكونة من أربعة أبناء وثمانية أشقاء، ويضيف بابتسامة رضا: أصبحت أعرف عطل السيارة من صوت موتورها، وكأنها تتحدث معي وتشكو أوجاعها.
وكأن القدر وهب العم بدري حاسة سادسة تعوضه عن فقدان البصر، قدرة عجيبة على فهم لغة الآلات الصماء، يستطيع هذا الميكانيكي الكفيف أن يميز بين صوت احتراق غير منتظم، أو اهتزاز في عمود الكامات، أو حتى صفير ضعيف يشير إلى تلف في أحد البكرات، كل ذلك بمجرد الاستماع الدقيق لصوت المحرك.

إرث عائلي وكفاح مستمر قصة جيل وراء جيل في خدمة السيارات
لم تكن مهنة الميكانيكا مجرد وسيلة لكسب الرزق بالنسبة للعم بدري، بل هي إرث عائلي توارثته الأجيال، فقد تعلم أصول المهنة وأسرارها من والده وجده، ليصبح جزءًا أصيلًا من حياته وهويته. وعلى الرغم من التحديات الكبيرة التي واجهته بعد فقدان بصره، إلا أنه لم يستسلم، بل استمر في ممارسة مهنته بإصرار وعزيمة قل نظيرهما، مُثبتًا للجميع أن الإعاقة ليست عائقًا أمام النجاح والإبداع.
حلم العمر زيارة بيت الله الحرام وعلاج يعيد النور
وفي نهاية حديثه، لم يخفِ العم بدري أمنيتين تسيطران على قلبه وروحه. الأولى هي زيارة بيت الله الحرام وأداء فريضة العمرة، والثانية هي الحصول على العلاج اللازم الذي قد يعيد إليه بصره المفقود، هاتان الأمنيتان هما الدافع القوي الذي يجعله يستمر في كفاحه اليومي، ومواجهة صعوبات الحياة بابتسامة وأمل لا ينطفئ.