هل حديث "إن الله هو المسعِّر" يُحرِّم التسعير؟..دار لإفتاء توضح المعنى الصحيح

في ظل الأزمات الاقتصادية وغلاء الأسعار، يتساءل الكثير من المسلمين عن حكم التسعير في الإسلام، وهل حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "إن الله هو المسعر، القابض، الباسط، الرازق..." يدل على حرمة التسعير؟
وفي هذا السياق، جاءت فتوى هامة من الأستاذ الدكتور شوقي إبراهيم علام، مفتي الديار المصرية السابق، توضح المعنى الدقيق للحديث، وتُبيِّن مدى جواز التسعير شرعًا.
حديث النبي عن التسعير: تذكير بأن الله هو الرزاق
يقول فضيلة الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية السابق إن حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يدل على تحريم التسعير، بل هو تنبيه على أن الرزق والتقدير بيد الله تعالى. فقد ورد في الحديث الشريف أن الناس قالوا: "يا رسول الله، غلا السعر فسَعِّر لنا!"، فرد النبي صلى الله عليه وآله وسلم:
"إن الله هو المسعِّر، القابض، الباسط، الرازق، وإني لأرجو أن ألقى الله وليس أحد منكم يطالبني بمظلمة من دم أو مال".
والحديث أخرجه الإمام أحمد وأصحاب السنن، وصححه الترمذي وابن حبان، كما أشار الحافظ ابن حجر إلى أن سنده على شرط الإمام مسلم.
الحديث لا يُحرِّم التسعير بل يرشد إلى التوكل على الله
أوضح المفتي السابق أن الحديث لا يعني تحريم التسعير، بل هو توجيهٌ نبوي إلى التوكل على الله واللجوء إليه بالدعاء وقت الأزمات، مع الأخذ بالأسباب والوسائل الممكنة.
وقد ثبت في رواية أخرى عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رجلًا قال: "يا رسول الله، سَعِّر لنا"، فقال: "بل أدعو"، أي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أرشدهم إلى الدعاء وطلب الفرج من الله.
قضية عين لا يُبنى عليها حكم عام
شدَّد فضيلة الدكتور شوقي علام على أن هذه الواقعة تُعد قضية عين لها ظروفها الخاصة، ولا يُؤخذ منها حكم عام بتحريم التسعير.
ويستدل على ذلك بما قرره الإمام الشافعي رحمه الله: "قَضَايَا الأَحْوَالِ إذَا تَطَرَّقَ إلَيْهَا الاحْتِمَالُ كَسَاهَا ثَوْبَ الإِجْمَالِ وَسَقَطَ بِهَا الاسْتِدْلال".
كما أيد هذا الرأي شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى"، حيث قال:
"من منع التسعير مطلقًا محتجًّا بهذا الحديث فقد غلط، فإن هذه قضية معينة وليست لفظًا عامًّا، وليس فيها أن أحدًا امتنع من بيع يجب عليه أو طلب في ذلك أكثر من عوض المثل".
متى يكون التسعير جائزًا أو حتى واجبًا؟
تؤكد الفتوى أن التسعير منه ما هو عدلٌ جائز، بل قد يكون واجبًا، ومنه ما هو ظلمٌ لا يجوز.
فإذا كان التسعير يهدف إلى منع الظلم والاستغلال، وحماية المشتري من الغبن أو حماية البائع من الإكراه، فهو جائز شرعًا. أما إذا تضمّن إكراهًا وظلمًا بغير حق، فهو محرم.
كما أوضح ابن تيمية في فتاواه:
"إذا تضمن العدل بين الناس؛ مثل إكراههم على البيع بثمن المثل، ومنعهم من أخذ زيادة على عوض المثل، فهو جائز، بل واجب".
خلاصة الفتوى: النبي تصرف بحكمة سياسية لا بمنع شرعي
أكد الدكتور شوقي علام أن امتناع النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن التسعير في ذلك الموقف، كان تصرفًا من مقتضى الإمامة والسياسة الشرعية، مراعاةً للمصلحة العامة، وحفاظًا على ميزان العدالة بين البائع والمشتري.
وقد عبّر النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك بقوله: "وإني لأرجو أن ألقى الله وليس أحد منكم يطالبني بمظلمة من دم ولا مال". أي أنه حرص على ألا يُظلم أحد من الناس نتيجة التدخل في الأسعار بشكل قد لا يكون مناسبًا حينها.