أرض المجددين|محمد عبدالله دراز صاحب «دستور الأخلاق في القرآن».. محطات في ذكراه
تحل اليوم، ذكرى الشيخ محمد عبدالله دراز، أحد أعلام أرض المجددين، وفي السطور التالية نستعرض بعضا من سيرته.
من هو الشيخ محمد عبدالله دراز؟
ولد المُحدِّثُ المُفسِّرُ الأديبُ الفقيهُ الشيخ محمد عبدالله دراز في الثامنِ منْ نوفمبر عامَ 1894هـ، المُوافِقِ العاشرَ منْ جُمادَى الأولى سنةَ 1312هـ-، في قريةِ محلَّةِ دياي، التَّابعةِ لمحافظة كفر الشيخ.
نشأَ الشَّيخُ محمد عبدالله دراز في بيتٍ معروفٍ بالتَّقوَى والعِلمِ والصَّلاحِ؛ فوالدُه الشَّيخُ عبد الله دراز الفقيهُ اللُّغويُّ المعروفُ الَّذي قدَّمَ تعليقاتٍ على (الموافقات) للشَّاطبيِّ.
وقدْ ظهرَتْ على الشَّيخِ محمد عبدالله دراز علاماتُ النُّبوغِ والتَّفوُّقِ منذُ صغرِه؛ فحفظَ القرآنَ الكريمَ وجوَّدَه وهو دونَ العاشرةِ، وفي ذلك يقولُ الدُّكتور محمد رجب البيومي في كتابِه: «النهضة الإسلامية في سير أعلامها المعاصرين»: «وسرعانَ ما تفتَّحَتْ عينُه على زملاءِ أبيه يغشون منزلَه كلَّ ليلةٍ؛ لدراسةِ كُتُبِ العلمِ، والحديثِ في مسائلِ الإصلاحِ الدِّينيِّ، وكانَ الوالدُ يأخذُ منزلَه بآدابِ التَّقوى؛ يَؤُمُّ أهلَه في صلاتَيِ العشاءِ والفجرِ، ويقرأُ صحيحَ البُخاريِّ في ليالي رمضانَ، ويسهرُ على تثقيفِ أبنائِه وتعويدِهم على سننِ الخيرِ منْ صلاةٍ وصيامٍ وزكاةٍ، وحُبِّ المعروفِ، والبُعدِ عنِ الدَّنايا».
تعلَّم الشيخ محمد عبدالله دراز منْ والدِه شَغَفَه بتلاوةِ كتابِ اللهِ تعالى، فأخذَ عنْه تلاوةَ ستَّةِ أجزاءٍ يوميًّا، وما تركَ هذه العبادةَ يومًا مِنَ الأيامِ، فما كُنْتَ تراه إلَّا قارئًا للقرآنِ.
التحقَ الشَّيخُ محمد عبد الله دراز في المرحلةِ الابتدائيَّةِ بمعهدِ الإسكندريَّةِ؛ حيثُ كانَ والدُه قدْ نُقِلَ إلى مشيخةِ علماءِ الإسكندريَّةِ، ثمَّ انتقلَ معَ والدِه إلى طنطا، فحصلَ على الشَّهادةِ الثَّانويَّةِ مِنَ الجامعِ الأحمديِّ.
ارتحلَ للقاهرةِ؛ والتحقَ بالقسمِ العالِي بالجامعِ الأزهرِ، فتلقَّى العلمَ على كبارِ علمائِه، ومنهم: الشَّيخُ إبراهيم الجبالي، والشيخ محمد الخضر حسين، والشَّيخُ عبد المجيد اللبان، والشَّيخُ عبد المجيد سليم، والشَّيخُ محمود أبو دقيقة، والشَّيخُ علي محفوظ، والشَّيخُ علي سرور الزنكلوني، وغيرُهم.
حصلَ على العالميَّة سنةَ 1331هـ/ 1913م، وكانَ ترتيبُه الأوَّلَ بينَ أقرانِه؛ ممَّا رشَّحَه لأنْ يقومَ بالتَّدريسِ في الجامعِ الأزهرِ الشَّريفِ في عامِ تخرُّجِه، كما اختِير للتَّدريسِ بالقسمِ العالي بالأزهرِ الشَّريفِ، ثمَّ كُلِّفَ بالتَّدريسِ بقسمِ التَّخصُّصِ، ثمَّ في الكلِّيَّاتِ الأزهريَّةِ النَّاشئةِ سنةَ 1930م.
أرسلَتْه جامعةُ الأزهرِ ضمنَ البعثاتِ العلميَّةِ إلى جامعاتِ أوروبا، وقدْ قالَ الشَّيخُ دراز عنْ هذه البعثةِ: «هي أوَّلُ البعثاتِ في هذا القرنِ إلى جامعاتِ أوروبا ... وكانَ لكاتبِ هذه السُّطورِ شرفَ عضويَّةِ هذه البعثةِ إلى فرنسا».
حصلَ فضيلتُه على (الليسانس) في الآدابِ منْ جامعةِ (السوربون) عامَ 1940م، وقدْ كلَّفَه الشَّيخُ محمد مصطفى المراغي شيخُ الجامعِ الأزهرِ بتمثيلِ الأزهر في مُؤتمرِ الأديانِ العالميِّ، الَّذي عُقِدَ في جامعةِ (السوربون) عامَ 1939م؛ حيثُ أرسلَ الشَّيخُ المراغي كلمتَه مكتوبةً، وألقاها الشَّيخُ دراز نيابةً عنْه، كما ألقَى الشَّيخُ دراز خطبةً باللُّغة الفَرنسيَّةِ -الَّتي كانَ يجيدُها- عنِ السَّلامِ في الإسلامِ.
حصلَ على الدُّكتوراه معَ مرتبةِ الشَّرفِ العُليا منْ جامعةِ (السوربون) عام 1947م، عنْ رسالتِه المَوْسُومةِ بـ«دستور الأخلاق في القرآن».
وعندَما عادَ إلى مصرَ عُيِّنَ مدرِّسًا في كليَّةِ أصولِ الدِّين، وانتُدِبَ لإلقاءِ مُحاضَراتٍ في علمِ تاريخِ الأديانِ بكلِّيَّةِ الآدابِ بجامعةِ القاهرةِ.
نالَ الدُّكتور محمد عبد الله دراز عضويَّةَ هيئةِ كبارِ العلماءِ بالأمرِ الملكيِّ رَقْمِ (43) لسنةِ 1949م، الصَّادرِ باسمِ صاحبِ الجلالةِ الملكِ فاروق الأوَّلِ ملكِ مصرَ، بقصرِ القُبَّةِ، في التَّاسعِ والعشرِينَ مِنَ المُحرَّمِ 1369هـ، المُوافِقِ العشرِينَ منْ نوفمبر 1949م.
تتلمذَ على الشَّيخِ دراز كثيرٌ مِنَ المشايخِ، ومنهم: الشَّيخُ محمد بدوي، والشَّيخُ عبد العظيم المطعني، والشَّيخُ عبد الصبور شاهين، وغيرُهم.
ومنْ مُؤلَّفاتِه: «مدخل إلى القرآن الكريم»، «النبأ العظيم». «الربا في نظر القانون الإسلامي»، «مبادئ القانون الدولي العام في الإسلام»، «الصوم تربية وجهاد»، «المسئوليَّة في الإسلام»، «دراسات إسلاميَّة في العَلاقات الدوليَّة والاجتماعيَّة»، «الميزان بين السنة والبدعة»، «زاد المسلم للدين والحياة»، «المختار من كنوز السنة، شرح أربعين حديثًا»، «حصاد قلم».
وفاة الشيخ محمد عبدالله دراز
وبينَما كانَ الشَّيخُ محمد عبدالله دراز يمثِّلُ الأزهرَ في (لاهور) بباكستانَ في مُؤتمرِ الأديانِ، أُصيبَ بسكتةٍ قلبيَّةٍ مُفاجِئةٍ ولبَّى نداءَ ربِّه قبلَ أنْ يُلقِيَ كلمتَه في المُؤتمَرِ، وكانَ ذلك في شهرِ جُمادَى الآخرةِ 1377هـ، المُوافِقِ يناير 1958م.
وعادَ إلى مصرَ على متنِ طائرةٍ، وصُلِّيَ عليه في الجامعِ الأزهرِ الشَّريفِ، وكانَ في مُقدِّمةِ مُشيِّعيه علماءُ الأزهرِ، وكبارِ الشَّخصيَّاتِ منْ مصرَ والعالمِ الإسلاميِّ في مَوكِبٍ مَهيبٍ.
وقد نعاه كثيرٌ منْ العلماءِ، فقالَ عنْه الشَّيخُ محمود شلتوت: «لقدْ ماتَ مشعلُ النُّورِ الَّذي أطفأَ مشاعلَ الجهلِ». وقالَ عنْه الشَّيخُ عبد الحليم محمود: «لقدْ فَقَدْنَا اليومَ آخرَ عالمٍ منْ رعيلِ كبارِ العلماءِ الَّذينَ تخرَّجُوا في الأزهرِ».




