لتحقيق مصلحة الفقراء.. هل يجوز إخراج الزكاة مقسطة على مدار العام؟
أكدت دار الإفتاء أنه يجوز شرعًا لمن وجبت عليه الزكاة أن يُخرجها على مدار العام في صورة دفعات شهرية إلى من يعرف أنهم من مستحقيها، بشرط أن يتم إخراج كامل الزكاة قبل حلول الحول التالي، مشيرةً إلى أن هذا لا يُعد من قبيل التأخير في إخراج الزكاة عن وقتها، بل هو من باب تحقيق مقاصد الشريعة في رعاية مصالح العباد وسد حاجة الفقراء على نحوٍ متواصل.
هل يجوز إخراج الزكاة مقسطة على مدار العام؟
وأوضحت الدار في بيانها أن الزكاة ركن من أركان الإسلام وحقٌّ واجب في مال الأغنياء لمصلحة الفقراء والمحتاجين، وأنها فُرضت لتحقيق التكافل الاجتماعي، وإغناء المحتاجين عن السؤال، مستشهدة بقوله تعالى: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ [الأنعام: 141]، وبحديث النبي صلى الله عليه وسلم: «لا زكاةَ في مالٍ حتى يَحولَ عليه الحول».
وبيّنت دار الإفتاء أن جمهور الفقهاء من المذاهب الأربعة –الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة– يرون وجوب إخراج الزكاة على الفور بعد مرور الحول على المال البالغ النصاب متى كان صاحبه قادرًا على الأداء، وذلك تحقيقًا للمقصود من الزكاة في سد حاجة المستحقين، مشيرةً إلى أن الفورية في هذا السياق لا تعني لحظةً بعينها، وإنما المبادرة وعدم التسويف بما يضر بمصلحة الفقير أو يتسبب في تعطيل حقه.
وأضافت أن الشريعة الإسلامية راعت دائمًا تحقيق مصالح العباد، وأن من أجلِّ مقاصد الزكاة سد خلة الفقير وإعانته على معيشته بما يحقق له الكفاية والاستقرار، مشيرةً إلى أن حاجات الفقراء تختلف باختلاف أحوالهم، فبعضهم قد يكفيه أن يأخذ نصيبه دفعة واحدة، بينما آخرون لا تسد حاجتهم إلا إذا قُدمت لهم الزكاة على أقساطٍ شهرية أو متتابعة لتغطية التزاماتهم الدورية، مثل إيجار السكن أو تكاليف العلاج أو نفقات التعليم.
وأوضحت الدار أن عددًا من كبار الفقهاء من الحنفية والحنابلة ذهبوا إلى أن معنى الفورية في إخراج الزكاة يتسع ليشمل الفترة ما بين وجوبها إلى ما قبل مرور الحول التالي، وهو ما أفتت به دار الإفتاء؛ لأن فيه تحقيقًا للمقصد الشرعي الأسمى من الزكاة، وهو كفاية المحتاجين على مدار العام، لا في وقتٍ واحدٍ فقط.
وأضافت أن إخراج الزكاة مقسطة لا يُعَدّ تأخيرًا للواجب، بل هو من باب حسن التدبير في توزيعها بما يضمن استمرار نفعها لمستحقيها، خصوصًا في الحالات التي يكون فيها المستفيد غير قادرٍ على إدارة المال الكبير دفعة واحدة، أو ممن تتجدد حاجته بمرور الوقت.
وختمت دار الإفتاء بيانها موضحةً أن من أراد إخراج زكاته مقسطة على مدار العام بعد مرور الحول على ماله فله ذلك شرعًا، بشرط أن يُخرج كامل المبلغ المستحق قبل حلول الحول الجديد، وأن تكون النية واضحة في أن هذه الدفعات جزء من زكاة المال الواجبة، مؤكدة أن هذا الرأي هو ما استقر عليه الفتوى في دار الإفتاء المصرية لما فيه من مراعاة لمقاصد الزكاة وتحقيق لمصالح الفقراء والمحتاجين، امتثالًا لقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [البقرة: 195].





