دار الإفتاء: وجود أطباء رجال في تخصص النساء جائز شرعًا بشرط

أكدت دار الإفتاء أنه لا حرج شرعًا في ممارسة الأطباء الرجال لمهنة طب النساء والتوليد، حتى مع وجود طبيبات في هذا المجال ولكن بأعداد محدودة، بشرط الالتزام الكامل بالضوابط الشرعية والأخلاقية التي تضمن حفظ خصوصية المرأة وصيانة كرامتها، مشددة على أن الأصل في تعلم وممارسة الطب لا يفرّق بين الرجل والمرأة، ما دام الهدف هو تحقيق مصلحة المرضى ورعاية حياتهم وصحتهم.
حكم وجود أطباء رجال في تخصص النساء
وأوضحت الدار أن وجود الطبيب الثقة المتخصص في أمراض النساء مطلوب شرعًا، ولا إثم عليه في ممارسة عمله أو التكسب منه، ما دام يلتزم بآداب المهنة وأحكام الشريعة عند الكشف على النساء أو علاجهن، بحيث لا ينظر أو يلمس إلا ما تقتضيه الضرورة العلاجية، ولا يخلو بامرأة أجنبية عنه إلا في وجود محرم أو زوج أو ممرضة؛ حفاظًا على مقاصد الشريعة في صيانة الأعراض والنفوس.
وبيّنت دار الإفتاء أن تعلم الطب من فروض الكفايات، وهو ما يعني أن المجتمع كله يتحمل مسؤوليته، فإذا قام به من يكفي سقط الإثم عن الباقين، أما إن ترك الجميع هذا الواجب أثموا جميعًا. ومن ثم فإن تعلم الطب –بمختلف تخصصاته– واجب على الرجال والنساء معًا، لأن الحاجة إلى الأطباء والطبيبات تتعلق بحفظ النفس، وهي من أهم مقاصد الشريعة الإسلامية.
وأضافت الدار أن الأصل في التكليف الشرعي عدم التفرقة بين الرجل والمرأة، فلا توجد علوم أو مهن قاصرة على أحد الجنسين دون الآخر، إلا ما خصه الشرع بنص أو علّة واضحة تتعلق بطبيعة كل منهما. واستشهدت الدار بقول الله تعالى: ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا﴾ [النساء: 124]، وبحديث النبي صلى الله عليه وسلم: «النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ»، أي نظائرهم في التكليف والقدرة.
وأشارت دار الإفتاء إلى أن الشريعة الإسلامية راعَت واقع المجتمعات وتفاوت الظروف، فحين يقل عدد الطبيبات المتخصصات في مجال النساء والتوليد، يجوز الاستعانة بالأطباء الرجال، لأن الحاجة هنا تُنزل منزلة الضرورة، والقاعدة الشرعية تنص على أن "الضرورات تبيح المحظورات" و"الضرورة تُقدَّر بقدرها"، أي لا يُباح للطبيب إلا ما تقتضيه الحاجة الفعلية للعلاج.
كما أكدت الدار أن على الطبيب أن يتحلى بالأمانة المهنية والالتزام الأخلاقي، وأن يحرص على وجود ممرضة أو امرأة ثقة أثناء الكشف على المريضة منعًا للخلوة المحرمة، وهو ما نص عليه الفقهاء قديمًا، حيث جاء في كتاب الإقناع للخطيب الشربيني أن "للرجل مداواة المرأة وعكسه، على أن يكون ذلك بحضرة محرم أو امرأة ثقة".
واختتمت دار الإفتاء بالتأكيد على أن ضوابط ممارسة مهنة الطب –وخاصة في تخصصات النساء– تهدف إلى تحقيق مصلحة المريض وضمان سلامته الجسدية والمعنوية، وأن الالتزام بهذه الآداب هو امتثال للشريعة وحماية لكرامة الإنسان، داعية جميع العاملين في القطاع الطبي إلى الالتزام بأخلاقيات المهنة وروح الإسلام في أداء واجبهم الإنساني والمهني.