«المدينة الإنسانية».. خدعة إسرائيلية تزيد معاناة نازحي قطاع غزة

في قلب الدمار، وتحت خيام النزوح التي لا تقي حر الصيف ولا برد الشتاء، يصحو الفلسطينيون في قطاع غزة على كابوس جديد يحمل اسمًا مضللًا:"المدينة الإنسانية"،
هكذا أطلقت إسرائيل على مشروعها الذي تسوق له على أنه خطة لحماية المدنيين وفصلهم عن العمليات العسكرية شمال القطاع، لكن ما يبدو للوهلة الأولى كمبادرة إنسانية، لا يتعدى كونه رواية جديدة تضاف إلى أرشيف التضليل الإسرائيلي.
الاسم إنساني.. والمحتوى قسري
وحسبما ذكرت قناة القاهرة الإخبارية، في الخيام المؤقتة، لا يرى النازحون في الخطة أي ملمح للرحمة أو العودة أو حتى الحياة، "المدينة الإنسانية" كما يُروج لها، تشبه إقامة قسرية داخل أسوار من الخوف والمراقبة، لا سكنًا آمناً ولا استقراراً، بل نسخة حديثة من العزل والتطهير البطيء.
الأمم المتحدة سارعت بالتحذير، ونقلت تحذيرًا واضحًا من "كارثة إنسانية جديدة" قد تؤدي إلى "نقطة اللاعودة" في الأزمة، أما وكالة الأونروا، التي تتعامل يوميًا مع تبعات النزوح، فقد ذهبت أبعد من ذلك، إذ وصفت الخطة بأنها "إهانة لمبادئ العمل الإنساني" و"لا تمت للإنسانية بصلة".
خلف "المدينة" سجن.. ومخطط تهجير
وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، أعلن الخطة بتفاصيلها: تجميع نحو 600 ألف نازح فلسطيني في هذه "المدينة" ضمن منطقة مغلقة يُمنع الخروج منها، وتخضع لتفتيش أمني دقيق، مع احتمال توسيعها لاحقًا لتشمل ما يقارب مليوني نازح.
لكن تحت هذه العناوين "الإنسانية"، تختبئ نوايا سياسية وديموغرافية خطيرة، إذ يرى محللون أن الاحتلال يسعى عبر هذا المخطط إلى تحويل النزوح المؤقت إلى تهجير دائم، وخنق ما تبقى من الوجود الفلسطيني في القطاع، ضمن استراتيجية ممنهجة تستهدف التصفية الصامتة.
الرفض يأتي من الداخل
اللافت أن هذه الرواية لم تمر حتى على بعض أركان الحكومة الإسرائيلية، فوزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، المعروف بتشدده، وصف المشروع بأنه "خدعة إعلامية لإخفاء صفقة سياسية"، فيما قال رئيس الوزراء الأسبق، إيهود أولمرت، إن الخطة "تشبه معسكر اعتقال جماعي".
مرايا مكسورة
خطة "المدينة الإنسانية" ليست سوى مرآة مقلوبة، تعكس ما تحاول إسرائيل إخفاءه، واقع النكبة المستمرة التي يعيشها الفلسطينيون في غزة، حيث يعلو الركام فوق الخريطة، ويمضي الشتات أطول مما تحتمله الأجيال.
فما بين التسميات الناعمة، والممارسات القمعية، يظل المشهد الإنساني في غزة أبعد ما يكون عن الشعارات، وأقرب ما يكون إلى مأساة صامتة تسير ببطء نحو المجهول.