ماحكم تكرار السورة بعد الفاتحة في كل ركعة؟ دار الإفتاء توضح

أثار عدد من المصلين تساؤلات حول حكم تكرار نفس السورة القرآنية بعد الفاتحة في كل ركعة من ركعات الصلاة، سواء كانت فريضة أو نافلة، وهو ما أجابت عليه دار الإفتاء المصرية موضحة أنذهب الجمهور من الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أنه لا بأس للمصلي أن يكرر السورة من القرآن التي قرأها في الركعة الأولى؛ فعن معاذ بن عبد الله الْجُهَنِيِّ أن رجلًا من جُهَيْنَةَ أخبره: "أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الصُّبْحِ ﴿إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ﴾ فِي الرَّكْعَتَيْنِ كِلْتَيْهِمَا، فَلَا أَدْرِي أَنَسِيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ أَمْ قَرَأَ ذَلِكَ عَمْدًا". أخرجه أبو داود في "سننه"، وذهب المالكية إلى كراهية تكرار السورة، وقال بعضهم: هُوَ خِلافُ الأَوْلَى.
مقاصد الشرع الشريف في جعل لكل صلاة وقت ابتداء ووقت نهاية
من المقرر أن للصلاة المفروضة أوقاتًا محددة لا بد أن تؤدى فيها؛ لقوله تعالى: ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا﴾ [النساء: 103]، وقوله ﴿مَوْقُوتًا﴾ أي مفروضًا ومؤقتًا بوقت محدد، ومن يسر الإسلام وسماحته وتخفيفه أن جعل للصلاة وقتًا تؤدى فيه وجعل له بدءًا ونهاية، وما بينهما وقت لأداء الصلاة، فإذا كانت هناك أعذار تبيح تأخير الصلاة عن أول وقتها فلا مانع شرعًا من أداء الصلاة في أي وقت من وقتها المحدد لها شرعًا.
والشريعة مبناها على التخفيف والتيسير على المكلفين ورفع الحرج والمشقة عنهم، قال الله تعالى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ [البقرة: 185]، وعن أبي أُمامة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «بُعِثْتُ بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ» رواه الإمام أحمد.
ومقصد الشرع من وراء ذلك ترغيب الناس في المداومة على الإتيان بالتكاليف دون انقطاع عنها بلا مشقة أو تقصير في أدائها.
يقول الإمام الشاطبي في "الموافقات" في بيان حكمة رفع الحرج عن المكلفين : [فاعلم أن الحرج مرفوع عن المكلف لوجهين: أحدهما: الخوف من الانقطاع من الطريق، وبغض العبادة، وكراهة التكليف، وينتظم تحت هذا المعنى الخوف من إدخال الفساد عليه في جسمه أو عقله أو ماله أو حاله. والثاني: خوف التقصير عند مزاحمة الوظائف المتعلقة بالعبد المختلفة الأنواع، مثل قيامه على أهله وولده، إلى تكاليف أخر تأتي في الطريق، فربما كان التوغل في بعض الأعمال شاغلًا عنها، وقاطعًا بالمكلف دونها، وربما أراد الحمل للطرفين على المبالغة في الاستقصاء، فانقطع عنهما] .
مذاهب الفقهاء في حكم الجمع بين الصلوات وشروط ذلك
من مظاهر التيسير والتخفيف في الأحكام: إباحة الجمع بين الصلوات، والذي قرره جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة من غير تقييد بمكان أو زمان، وخالف فيه الحنفية حيث قالوا: لا يجوز الجمع بين صلاتين في وقت إحداهما بسبب العذر لا في سفر ولا حضر عدا يوم عرفة والمزدلفة.
قال الإمام الكاساني الحنفي في "بدائع الصنائع" : [لا يجوز الجمع بين فرضين في وقت أحدهما إلا بعرفة والمزدلفة فيجمع بين الظهر والعصر في وقت الظهر بعرفة، وبين المغرب والعشاء في وقت العشاء بمزدلفة، اتفق عليه رواة نسك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه فعله، ولا يجوز الجمع بعذر السفر والمطر]
بيد أنَّ جمهور الفقهاء الذين أجازوا الجمع بين الصلوات في الجملة من غير تقييد بمكان أو زمان لهم تفصيل في هذه المسألة بيانه على النحو الآتي:
ذهب المالكية إلى جواز الجمع في السفر والحضر عند المطر والوحل مع الظلمة والمرض، وكذا في عرفة والمزدلفة.
قال الشيخ الدردير المالكي في "الشرح الكبير" : [ولما أنهى الكلام على قصر الصلاة بالسفر تكلم على الجمع بين الصلاتين المشتركتي الوقت ولجمعهما ستة أسباب السفر والمطر والوحل مع الظلمة والمرض وعرفة ومزدلفة] .
وأما الشافعية فقد أجازوا الجمع في السفر الطويل وفي الحضر في حالة المطر وهو المشهور في المذهب.
قال الخطيب الشربيني الشافعي في "الإقناع" : [ثم شرع في الجمع بالمطر فقال: (ويجوز للحاضر) أي المقيم (في المطر) ولو كان ضعيفا بحيث يبل الثوب ونحوه كثلج وبرد ذائبين (أن يجمع) ما يجمع بالسفر ولو جمعة مع العصر... قال الشافعي كمالكٍ: أرى ذلك في المطر ولا يجوز ذلك تأخيرًا؛ لأن استدامة المطر ليست إلى الجامع فقد ينقطع فيؤدي إلى إخراجها عن وقتها من غير عذر بخلاف السفر... تنبيه: قد علم ممَّا مرّ أنه لا جمع بغير السفر ونحو المطر كمرض وريح وظلمة وخوف ووحل وهو المشهور؛ لأنه لم ينقل، ولخبر المواقيت فلا يخالف إلا بصريح، وحكى في "المجموع" عن جماعة من أصحابنا جوازه بالمذكورات قال: وهو قوي جدا في المرض والوحل واختاره في "الروضة" لكن فرضه في المرض وجرى عليه ابن المقري] .
وتوسَّع الحنابلة في تفصيل الأعذار التي يجوز الجمع لأجلها، فذكروا أعذارًا ثمانية تبيح الجمع: المسافر سفر قصر، والمريض الذي يلحقه بترك الجمع مشقة، والمرضع، وأصحاب الأعذار كالمستحاضة ومن به سلس بول وريح ومن به جرح لا ينقطع دمه، والعاجز عن الطهارة بالماء أو التيمم لكل صلاة، والعاجز عن معرفة الوقت، ولمن به عذر أو شغل يبيح ترك الجمعة والجماعة كأن يخاف على نفسه أو شغل يتضرر بتركه في معيشته.
قال الإمام ابن النجار الفُتوحي في متن "منتهى الإرادات" : [يُباح جمعٌ بين ظهر وعصر وعشاءين بوقت إحداهما... بسفرِ قصرٍ، ولمريضٍ يلحقه بتركه مشقة، ولمرضعٍ لمشقةِ كثرة نجاسة، والمستحاضة ونحوها، وعاجزٍ عن طهارة أو تيمم لكل صلاة، أو عن معرفةِ وقتٍ: كأعمى ونحوه، ولعذرٍ أو شُغلٍ يُبيح ترك جُمعةٍ وجماعة].