صيام عاشوراء.. هل يحوز الاكتفاء في السحور بشرب الماء؟ الإفتاء توضح

مع صيام يوم عاشوراء، يتجدد السؤال بين الناس حول ضوابط السحور، ومن أكثر الأسئلة تداولًا: هل يجوز الاكتفاء بشرب الماء فقط في السحور؟ وفي هذا السياق أجابت دار الإفتاء المصرية :يحصل تمام السحور وفضيلته وسنته بتناول شيء من الطعام أو الشراب ومما يحصل به التقوي على أداء العبادة وكان مباحًا شرعًا، فيجوز السحور والاكتفاء بالماء، ويحصل بذلك فضيلته وبركته وتمام الأجر، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «السَّحُورُ أَكْلُهُ بَرَكَةٌ، فَلَا تَدَعُوهُ وَلَوْ أَنْ يَجْرَعَ أَحَدُكُمْ جَرْعَةً مِنْ مَاءٍ؛ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الْمُتَسَحِّرِينَ» رواه الإمام أحمد في "المسند".
مفهوم السحور والحكمة من مشروعيته للصائم
السَّحَرُ بِفَتْحَتَيْنِ: قُبَيْلُ الصُّبْحِ، السَّحُورُ: مَا يُؤْكَلُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَهُوَ السُّدُسُ الأَخِيرُ مِنَ اللَّيْلِ، وَتَسَحَّرْتُ: أَكَلْت السَّحُورَ؛ فهو بفتح السين الْمَأْكُولُ فِي السَّحَرِ، وبضمها يُطلق على الفِعْلِ. يُنظر: "المصباح المنير" للفيومي ، و"فتح القدير" للكمال بن الهمام، ، و"الفواكه الدواني" للنفراوي،.
فالسحور: هو الأكل أو الشرب لمن يريد الصيام في وقت متأخر من الليل، وهو وقت السحر قبيل الفجر الذي فيه تُنزُّل الرحمات فيحصُل للمؤمن باليقظة فيه والذكر والدعاء والقيام بهذه السُّنَّة بركة وخير كثير.
وقد شرع الله تعالى السحور للصائم ليتقوَّى به على صوم النهار، وسماه النبي صلى الله عليه وآله وسلم الغداء المبارك من أجل ذلك؛ فعن العرباض بن سارية السلمي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يدعو إلى السحور في شهر رمضان المبارك: «هَلُمَّ إِلَى الْغَدَاءِ الْمُبَارَكِ» رواه الإمام أحمد في "المسند"، وأبو داود والنسائي في "السنن".
قال الإمام الخَطَّابي في "معالم السنن" : [إنما سماه غداء؛ لأن الصائم يتقوَّى به على صيام النهار، فكأنه قد تغدى، والعرب تقول: غدا فلان لحاجته، إذا بكَّر فيها، وذلك من لدن وقت السحر إلى طلوع الشمس] اهـ.
بيان فضل السحور للصائم
قد حث النبي صلى الله عليه وآله وسلم على السحور للصائم؛ لما فيه من حصول البركة التي تحدث من ذكر المتسحرين وصلاتهم وتلاوتهم للقرآن الكريم، وتضرعهم لله تعالى بالدعاء وغيرها من الأمور التي تحدث من المسلم عند استيقاظه للسحور، كما أن في السحور الأخذ بأسباب القوة على أداء العبادة كاملة غير منقوصة؛ فعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «تَسَحَّرُوا، فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً» متفق عليه.
قال الإمام بدر الدين العَيْني الحنفي في "عمدة القاري" : [قَوْله: "بركَة" قد ذكرُوا فِيهَا معَاني؛ الأول: أَنَّه يُبَارك باليسير مِنْهُ بِحَيْثُ يحصل بِهِ الْإِعَانَة على الصَّوْم.. الثَّانِي: يُرَاد بِالْبركَةِ نفي التبعة فِيهِ؛ وَقد ذكر صَاحب "الفردوس" من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه: "ثَلَاثَة لَا يُحَاسب عَلَيْهَا العَبْد: أكلة السّحُور، وَمَا أفطر عَلَيْهِ، وَمَا أكل مَعَ الإخوان" الثَّالِث: يُرَاد بِالْبركَةِ الْقُوَّة عَلى الصِّيام وَغَيره من أَعمال النَّهَار. الرَّابِع: يُرَاد بِالْبركَةِ الرُّخْصَة وَالصَّدَقَة، وَهُوَ الزِّيَادَة فِي الْأكل على الْأكل عِنْد الْإِفْطَار.. وَقَالَ عِيَاض: قد تكون هَذِه الْبركَة مَا يتَّفق للمتسحر من ذكر أَو صَلَاة أَو اسْتِغْفَار وَغَيره من زيادات الْأَعْمَال الَّتِي لَوْلَا الْقيام للسحور لَكَانَ الْإِنْسَان نَائِما عَنْهَا وتاركًا لَهَا.. وَقَالَ ابْن دَقِيق الْعِيد: هَذِه الْبركَة يجوز أَن تعود إِلَى الْأُمُور الأخروية؛ فَإِن إقامة السُّنَّة توجب الْأجر وزيادته، وَيحْتَمل أَن تعود إِلَى الْأُمُور الدُّنْيَوِيَّة كقوة الْبدن على الصَّوْم وتيسيره من غير إضرار بالصائم] .
وقال الإمام الحَدَّاد الحنفي في "الجوهرة": [في الحديث: إضمار، تقديره: فإن في أكل السحور بركة، والمراد بالبركة زيادة القوة في أداء الصوم، ويجوز أن يكون المراد به نيل الثواب؛ لاستنانه بأكل السحور بسنن المرسلين، وعمله بما هو مخصوص بأهل الإسلام] .
وقال الإمام ابن المُلَقِّن الشافعي في "التوضيح لشرح الجامع الصحيح" : [ولا يبعد أن يكون من جملة بركته ما يكون في ذَلِكَ الوقت من ذكر المتسحرين، وقيام النائمين، وصلاة المتهجدين؛ فإن الغالب ممن قام يتسحر يكون منه ذكر وصلاة واستغفار، وشبهه مما يثابر عليه في رمضان] .
حكم السحور للصائم وكيفيته ووقته
قد أجمع الفقهاء على استحباب السحور في حق المسلم لصوم شهر رمضان.
قال الإمام ابن المنذر في "الإجماع" : [وأجمعوا على أن السحور مندوب إليه] .
فيُسن للصائم التسحر بتناول بعض الطعام استقواءً به على الصوم، وطلبًا لحصول البركة، وهو جائز بكثير غذاء أو قليل بعد منتصف الليل أو في الثلث الأخير من الليل، ويستمر حتى طلوع الفجر، وذلك لحصول المقصود من السحور وهو التقوِّي على الصوم، وما قرب للفجر حصل به التقوِّي أكثر من غيره.
حكم الاكتفاء في السحور بشرب الماء
يحصل تمام السحور وفضيلته وسنته بتناول شيء من الطعام أو الشراب ومما يحصل به التقوي على أداء العبادة وكان مباحًا شرعًا، فيجوز السحور بالماء، ويحصل بذلك فضيلته وبركته وتمام الأجر، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «السَّحُورُ أَكْلُهُ بَرَكَةٌ، فَلَا تَدَعُوهُ وَلَوْ أَنْ يَجْرَعَ أَحَدُكُمْ جَرْعَةً مِنْ مَاءٍ؛ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الْمُتَسَحِّرِينَ» رواه الإمام أحمد في "المسند".
قال العلامة الشُّرُنْبُلَالي الحنفي في "مراقي الفلاح" : [(ويُستحب له ثلاثةُ أشياءٍ: السحور)؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي الْسَّحُورِ بَرَكَةً».. والبركة ولو بالماء؛ قال صلى الله عليه وآله وسلم: «السَّحُورُ بَرَكَةٌ، فَلَا تَدَعُوهُ، وَلَوْ أَنْ يَجْرَعَ أَحَدُكُمْ جَرْعَةً مِنْ مَاءٍ، فَإِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الْمُتَسَحِّرِينَ»] .
وقال الإمام الحطَّاب المالكي في "مواهب الجليل" : [ويحصل السحور بقليل الأكل وكثيره، ولو بالماء؛ لما روى ابن حبان أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «تَسَحَّرُوا وَلَوْ بِجَرْعَةٍ مِنْ مَاءٍ»، والله أعلم] ـ.
وقال الإمام زكريا الأنصاري الشافعي في "أسنى المطالب" : [(و) يُسَنُّ (أن يَتَسَحَّرَ).. وَيَحْصُلُ بقليل المطعوم وكثيره؛ لخبر ابن حبان في صحيحه: «تَسَحَّرُوا وَلَوْ بِجَرْعَةِ مَاءٍ»] .
وقال العلامة منصور البهوتي الحنبلي في "شرح منتهى الإرادات" : [(وتَحْصُلُ فَضِيلَتُهُ) أي: السَّحُور (بِشُرْبٍ)؛ لحديث: «وَلَوْ أَنْ يَجْرَعَ أَحَدُكُمْ جَرْعَةً مِنْ مَاءٍ»].