التوسعة على الأهل يوم عاشوراء.. سنة نبوية مهجورة أم عادة اجتماعية؟

في كل عام، ومع اقتراب يوم عاشوراء، يتجدد الحديث بين المسلمين عن فضل هذا اليوم العظيم، الذي نجّى الله فيه موسى عليه السلام وقومه من فرعون، وصامه النبي محمد ﷺ وأمر بصيامه.
لكنّ جانبًا آخر من هذا اليوم لا يزال غائبًا عن وعي كثير من الناس، وهو “التوسعة على الأهل” – عادة وردت بها أحاديث نبوية وحث عليها عدد من العلماء، لتكون فرصة للمودة وتقوية الروابط الأسرية.
فهل هي سنة ثابتة؟ وما مدى صحة أحاديثها؟ وما معنى التوسعة المقصودة؟ في هذا الإطار أوضحت دار الإفتاء المصرية أن : التوسعة على الأهل يوم عاشوراء سُنَّةٌ ثابتةٌ شرعًا، مرويةٌ عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، محفوظة عن صحابته الكِرام رضي الله عنهم والتابعين، وجَرى العمل بها عند جمهور العلماء، وهي من السُّنن المُجرَّبة المباركة، التي يُرتجى بها الفضل، وتُستجلب بها البركة، ويُسأل بها سَعة الرزق في سائر العام.
حكم التوسعة على الأهل يوم عاشوراء
التوسعةُ على الأهل والعيال يوم عاشوراء سُنة نبوية عظيمةُ القدر، موصولةُ السند، تلقَّاها أئمةُ الحديث بالقبول، وقوَّاها جمعٌ من كبار الحُفاظ، وعمل بها فقهاء الأمصار، حتى صارت من معالم هذا اليوم المبارك، وعادةً جاريةً في أكثر بلاد المسلمين.
وقد وردت بهذه السنة أحاديثُ عدَّة عن طائفةٍ من الصحابة الكرام، منهم: جابر بن عبد الله، وعبد الله بن مسعود، وأبو هريرة، وأبو سعيد الخدري، وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم أجمعين.
وأصحُّ هذه الروايات وأقواها: ما جاء عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «مَن وَسَّعَ عَلَى نَفسِهِ وَأَهلِهِ يَومَ عَاشُورَاءَ وَسَّعَ اللهُ عَلَيهِ سَائِرَ سَنَتِهِ»، قال جابر: "جَرَّبنَاهُ فَوَجَدنَاهُ كَذَلِكَ" أخرجه الإمام ابن عبد البر في "الاستذكار".
قال الحافظ أبو الحسن بن القَطَّان في "فضائل عرفة": [إسناد هذا الحديث حسن].
وقال الحافظ زين الدين العِرَاقِي في جزء "التوسعة على العيال": [وهو على شرط مسلم].
وروى الحافظ أبو موسى المَدِينِي هذا الحديث في "فضائل الأيام والشهور"، ثم قال: حديث حسن، كما نقله الحافظ ابن المُلَقِّن في "التوضيح لشرح الجامع الصحيح" .
وقال الحافظ السُّيُوطِي في "الدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة" ردًّا على من ادَّعَى عدم ثبوت الحديث: [كلَّا، بل هو ثابت صحيح] .
قال العلامة ابن عَابِدِين في "رد المحتار" مؤيِّدًا ما قاله الحافظ السُّيُوطِي: [نعم، حديث التوسعة ثابتٌ صحيحٌ كما قال الحافظ السيوطي في "الدرر"] .
كما ورد الأثر بهذه السُّنة عن الصحابيين الجليلين: أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وجابر بن عبد الله رضي الله عنهما، وعن محمد بن المنتشر، وغيرهم.
فقد روى الإمام ابن عبد البر في "الاستذكار" عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: «مَن وَسَّعَ عَلَى أَهلِهِ يَومَ عَاشُورَاءَ وَسَّعَ اللهُ عَلَيهِ سَائِرَ سَنَتِهِ».
وروى أيضًا عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر قال: «مَن وَسَّعَ عَلَى أَهلِهِ فِي عَاشُورَاءَ وَسَّعَ اللهُ عَلَيهِ سَائِرَ السَّنَةِ». قال يحيى بن سعيد: "جرَّبنا ذلك فوجدناه حقًّا"، وقال سفيان: "جرَّبنا ذلك فوجدناه كذلك".
وقد صنَّف جماعةٌ من الأئمة الحفَّاظ في جمع طرق أحاديثها وتقويتها والرد على من أنكرها، كما صنع الحافظ أبو الفضل العراقي في رسالته "التوسعة على العيال"، والإمام السيوطي في رسالته "فضل التوسعة في يوم عاشوراء"، والحافظ أحمد بن الصديق الغماري في كتابه "هدية الصغراء بتصحيح حديث التوسعة على العيال يوم عاشوراء".
وجه تخصيص يوم عاشوراء بالتوسعة على الأهل
علَّل العلامة المُنَاوِي وجه تخصيص يوم عاشوراء بالتوسعة على العيال، فقال في "فيض القدير": [وذلك لأنَّ الله سبحانه أغرق الدنيا بالطوفان، فلم يبقِ إلا سفينة نوح بمن فيها، فردَّ عليهم دُنياهم يوم عاشوراء، وأُمروا بالهبوط للتأَهُّب للعيال في أمر معاشهم بسلام وبركات عليهم وعلى مَن في أصلابهم مِن الموحِّدين، فكان ذلك يوم التوسعة والزيادة في وظائف المعاش، فيُسنُّ زيادةُ ذلك في كل عام] .
أقوال المذاهب الأربعة في استحباب التوسعة
قد نص فقهاء المذاهب الأربعة من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة على استحباب التوسعة على الأهل في يوم عاشوراء بلا خلاف.
قال الحافظ العَينِي الحنفي في "نخب الأفكار": [وبالجملة هو يوم عظيم معلوم القدر عند الأنبياء عليهم السلام، والنفقة فيه مخلوفة] .
وقال الإمام ابن العربي المالكي في "المسالك في شرح موطأ مالك" : [وأمّا النَّفَقَةُ فيه والتَّوسعة فمخلوفَةٌ باتِّفَاقٍ إذا أُرِيدَ بها وجهُ الله تعالى، وأنه يخلف اللهُ بالدِّرهَمِ عَشرًا] .
وقال العلامة الصَّاوِي المالكي في "حاشيته على الشرح الصغير" : [ويُندب في عاشوراء التوسعةُ على الأهل والأقارب] .
قال العلامة سليمان الجمل الشافعي في "حاشيته على فتح الوهاب" في بيان ما يستحب فعله في عاشوراء: [ويستحبُّ فيه التوسعة على العيال والأقارب، والتصدُّق على الفقراء والمساكين من غير تكلُّف، فإن لم يجد شيئًا فليوسِّع خُلُقَه، ويَكُفَّ عن ظُلمِه] .
وقال الإمام برهان الدين بن مُفلِح الحنبلي في "المبدع" في بيان فضل عاشوراء: [فائدة: ينبغي فيه التوسعة على العيال، سأل ابنُ منصورٍ أحمدَ عنه، قال: "نعم"] .