هل يجوز إخفاء أغراض الآخرين بهدف المزاح؟.. الإفتاء توضح الحكم

في ظل ما يفعله بعض الأشخاص على سبيل المزاح ( الضحك) من إخفاء أغراض الآخرين أكدت دار الإفتاء المصرية، استنادًا إلى مصادر السنة النبوية المطهرة وأقوال كبار العلماء، أن المزاح الذي يتضمن ترويع الآخرين، أو إخافتهم، أو الاستيلاء على متعلقاتهم بقصد المزاح، محرم شرعًا ولا يجوز فعله، سواء صدر ذلك تجاه مسلم أو غير مسلم، لما في ذلك من إيذاء نفسي وتعدٍّ صريح على كرامة الإنسان.
المزاح في الإسلام… متعة بضوابط
توضح دار الإفتاء أن المزاح في حد ذاته ليس مذمومًا، بل هو وسيلة مشروعة للترويح عن النفس، وتخفيف أعباء الحياة، وبثّ السرور في القلوب، وهو ما مارسه النبي صلى الله عليه وسلم مع أهله وأصحابه، بل وحتى مع الأطفال، كما في الحديث الذي رواه أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا ذا الأذنين»، قال الراوي: يُمازحه، رواه أبو داود والترمذي وأحمد.
وفي شرح هذا الحديث، أشار الإمام شهاب الدين الرملي إلى أن هذا النوع من المزاح يعكس لطف خلق النبي صلى الله عليه وسلم وتعامله الحنون مع الصغار. لكنه أيضًا بيّن أن أكثر مزاح النبي صلى الله عليه وسلم كان موجهًا للنساء والأطفال، في حين كان وقورًا في تعامله مع أكابر الصحابة، مما يدل على وجود توازن أخلاقي وإنساني في المزاح النبوي.
لا يجوز المزاح بما يُخيف أو يُفزع
لكنّ الخط الأحمر في المزاح، بحسب الشرع، هو ما يؤدي إلى ترويع الإنسان أو إخافته أو انتهاك خصوصياته، حتى وإن كان على سبيل المزاح أو بدون نية الإيذاء. وفي هذا السياق، استشهدت دار الإفتاء بما جاء في “مسند الإمام أحمد” عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال: أخبرنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا في سفر مع النبي صلى الله عليه وسلم، فنام أحدهم، فأخذ بعضهم نَبْله (سهمه)، فلما استيقظ فزع، فقالوا مازحين إنهم أخذوها، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك وقال: «لا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا».
وفي حديث آخر رواه الإمام أحمد أيضًا، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَا يَأْخُذَنَّ أَحَدُكُمْ مَتَاعَ أَخِيهِ لَاعِبًا، وَلَا جَادًّا»، وهو ما أكده كبار العلماء مثل ابن حجر الهيتمي، الذي أوضح في كتابه “تحفة المحتاج” أن أخذ المتاع على سبيل المزاح حرام، لأنه قد يسبب الفزع والقلق لصاحبه، حتى لو نوى الآخذ إرجاعه لاحقًا.
إجماع العلماء: ترويع الآخرين لا يُبرّر بالمزاح
واتفق العلماء المتقدمون والمتأخرون على أن التخويف أو الإيذاء النفسي لا يجوز حتى وإن غُلّف بالمزاح أو بدا بسيطًا. يقول الإمام الشوكاني في “نيل الأوطار”: “فيه دليل على أنه لا يجوز ترويع المسلم، ولو بما صورته صورة المزح”، وهو ما أكده أيضًا الإمام المناوي في “فيض القدير”، مشيرًا إلى أن إدخال الأذى على المسلم سواء بالإشارة بسلاح أو بإخفاء متاعه أو بإثارة فزعه، منهيٌّ عنه شرعًا، سواء عن جد أو هزل.
وبناءا على ذلك :
اتفق العلماء أن المزاح في الإسلام محمود ما لم يتجاوز حدوده إلى الإيذاء. وترويع الآخرين، سواء بالقول أو الفعل أو السخرية أو إخفاء متعلقاتهم، فعلٌ محرّم شرعًا ولو تمّ بنيّة المزاح، لما فيه من مخالفة لأخلاق الإسلام التي تقوم على الرحمة، والاحترام، وحفظ كرامة الإنسان.
وتدعو دار الإفتاء إلى التحلي بأخلاق النبي ﷺ في المزاح، والابتعاد عن كل ما يدخل في باب الأذى أو الإهانة أو الترويع، مؤكدة أن ما يراه البعض “دعابة خفيفة” قد يترك أثرًا نفسيًا كبيرًا على الطرف الآخر، بل ويكون محرمًا يُؤثم عليه فاعله