هل وجود النمل في البيت علامة على الحسد؟ دار الإفتاء تُوضح

تنتشر بين بعض الناس معتقدات متوارثة تربط بين الظواهر الطبيعية وبين الحسد أو السحر، ومن أكثر هذه الاعتقادات شيوعًا القول بأن كثرة النمل في المنزل تدل على وجود حسد أو طاقة سلبية، ما يدفع البعض إلى اتخاذ إجراءات غير صحيحة للتعامل مع الأمر، بعيدًا عن العلم والدين.
وجود النمل في البيت لا يدل على الحسد أو العين ولا أصل له في الشريعة
وفي هذا السياق، أكدت دار الإفتاء المصرية أن ما يُشاع عن أن وجود النمل في البيت يدل على الحسد أو العين لا أصل له في الشريعة الإسلامية، ولا دليل عليه من كتاب أو سنة، موضحة أن النمل من مخلوقات الله، ويكثر ظهوره في البيوت لأسباب طبيعية بحتة تتعلق بالمواسم أو توافر بقايا الطعام أو الرطوبة.
وأوضحت الدار في بيان سابق أن الشرع الشريف يدعو إلى تحكيم العقل والبحث عن الأسباب الطبيعية قبل اللجوء إلى ربط الأمور بالغيبيات أو الاتهام بالحسد، مشيرة إلى أن الإسلام نهى عن التطيّر والتشاؤم وربط الأحداث اليومية بعوامل غير مثبتة دينيًا أو علميًا.
وأضافت دار الإفتاء أن النبي محمد ﷺ كان يُعلّم أصحابه حسن الظن بالله وعدم الركون إلى الوهم أو الإشاعات، موضحة أن النمل مذكور في القرآن الكريم في سياق مدح تنظيمه وحكمته، لا في سياق سلبي، وذلك في سورة النمل:
{حَتَّىٰ إِذَا أَتَوْا عَلَىٰ وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَٰأَيُّهَا ٱلنَّمْلُ ٱدْخُلُوا۟ مَسَٰكِنَكُمْ}
كما شددت الدار على أن معالجة الأمور التي تُنسب ظلمًا إلى الحسد يجب أن تتم بالأذكار الشرعية، والرقية، والدعاء، مع الأخذ بالأسباب المادية والعلمية، فلو كان ظهور النمل ناتجًا عن إهمال في النظافة أو سوء تخزين الطعام، فإن العلاج يكون بإزالة هذه الأسباب.
واختتمت دار الإفتاء بيانها بالتنبيه على المسلمين بعدم الانسياق وراء الخرافات أو الأقوال الشائعة التي تُفسد العقيدة وتفتح باب الوسوسة والقلق، مؤكدة أن الحسد مذكور في القرآن الكريم كأمر واقع، لكن لا يُقاس على كل حدث، ولا يُكتشف بهذه الطريقة، وإنما يُدفع باليقين بالله، والتحصين، والتوكل
تعامل النبي مع الحسد
ولكن مع ذلك لا ننكر وجود الحسد
فالنبي ﷺ حذَّر الأمة من الحسد تحذيرًا صريحًا، وبيَّن أثره الخطير على الدين والنفوس والعلاقات. قال في الحديث الشريف:
“إياكم والحسد، فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب”
(رواه أبو داود )
وفي حديث آخر، قال ﷺ:
“لا يجتمع في جوف عبدٍ الإيمان والحسد”
(رواه ابن حبان)
وهذا يدل على أن الحسد من الأخلاق الذميمة التي تتنافى مع الإيمان الصادق، لأنه اعتراض على قسمة الله، ولأن فيه تمني زوال النعمة عن الغير.
تعامل النبي ﷺ مع الحسد بالوقاية والتحصين
النبي ﷺ لم يكتف بالتحذير من الحسد، بل علمنا كيف نقي أنفسنا وأهلنا منه، وأوصى باستخدام الأدعية والأذكار الشرعية للتحصين، مثل:المعوذتين:
قال ﷺ: “ما تعوّذ الناس بمثلهما: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ، وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ”
(رواه النسائي)
ماذا كان يفعل النبي ﷺ مع الحسن والحسين؟
كان النبي ﷺ يُولي الحسن والحسين عناية خاصة، ويخشى عليهما من العين والحسد، فكان يُرقيهما دائمًا، ويدعو لهما بالتحصين.
قال ابن عباس رضي الله عنهما:
“كان النبي ﷺ يُعَوِّذُ الحسن والحسين، ويقول: أعيذكما بكلمات الله التامة، من كل شيطان وهامَّة، ومن كل عين لامَّة”
(رواه البخاري)
ومعنى “عين لامة”: أي مؤذية، تصيب وتؤلم، وهي العين الحاسدة.
فهذا الحديث يدل بوضوح على أن النبي ﷺ كان يعرف خطر الحسد، ويُعالج ذلك بالرقية الشرعية والتحصين بالأذكار، وعلَّمنا أن نفعل ذلك لأبنائنا وأحبائنا