صعود زهران ممداني يكشف عمق الإسلاموفوبيا في قلب نيويورك.. مرصد الأزهر يكشف

يواجه المسلمون تحديات متزايدة في المجتمعات الغربية، وقد برزت هذه التحديات بوضوح في سياق الانتخابات التمهيدية لمنصب عمدة نيويورك. تجسّد هذا الأمر في الحملة الشعواء التي استهدفت المرشح المسلم زهران ممداني، وكشفت عن عمق التمييز وخطاب الكراهية المتفشي في بعض الأوساط.
من هو زهران ممداني؟
ففي سباق انتخابي لافت على منصب عمدة نيويورك، حقق زهران ممداني، الشاب المسلم الاشتراكي الديمقراطي البالغ من العمر 33 عامًا، فوزًا مدويًا في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي. وقد حصد ممداني أكثر من 45% من الأصوات، متفوقًا على حاكم الولاية السابق أندرو كومو، ليصبح قاب قوسين أو أدنى من أن يكون أول عمدة مسلم لأكبر مدينة في الولايات المتحدة. لكن هذا الانتصار، بدلًا من أن يكون مدعاة للاحتفاء بالتنوع والديمقراطية، كشف عن واقع مقلق جراء الإسلاموفوبيا المتجذرة في بعض الأوساط الأمريكية.
انتصار ممداني.. شرارة تُشعل حملة تشويه ممنهجة
فما أن أُعلن عن فوز ممداني في الانتخابات التمهيدية، حتى بدأت حملة شرسة وممنهجة لتشويه صورته، ليست على منصات التواصل الاجتماعي فحسب، بل في أوساط سياسية محافظة أيضًا.
وعن ذلك، ذكرت صحيفة "ذا جارديان" البريطانية تفاصيل هذه الحملة، التي وصلت إلى حد وصف ممداني بـ"الإرهابي الجهادي" و"المتعاطف مع إرهابيي حماس"، مع دعوات صريحة لترحيله من البلاد رغم كونه مواطنًا أمريكيًا. وذهب البعض إلى التنبؤ بتكرار أحداث الحادي عشر من سبتمبر إذا ما وصل ممداني إلى منصب العمدة، في محاولة واضحة لإثارة الخوف وربط الإسلام بالعنف والإرهاب.
وتجاوزت هذه الحملة مجرد الاتهامات اللفظية لتصل إلى تهديدات بالقتل وخطاب كراهية صريح من شخصيات جمهورية بارزة. وأرجعت "الجارديان" هذه الهجمات إلى حالة الانقسام السياسي العميق الذي تشهدها الولايات المتحدة، وتقاطع ذلك مع مشاعر العداء المتزايدة للمسلمين، وهو ما استغله معارضو ممداني الذين لعبوا على خلفيته الدينية وأصوله المهاجرة ومواقفه السياسية لتصوير فوزه كتهديد حضاري.
شهدت هذه الحملة مشاركة أسماء بارزة، في مقدمتها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي علّق قائلاً: "أنا كبير في السن بما يكفي لأتذكّر معاناة سكان نيويورك وتحملهم لأحداث 11 سبتمبر، وليس التصويت لها"، مضيفًا: "لقد سقطت نيويورك".
وفي مشهد آخر يجسد حجم الكراهية الممنهجة، نشرت النائبة الجمهورية، مارجوري تايلور جرين، صورة مولدة بالذكاء الاصطناعي تُظهر تمثال الحرية مرتديًا البرقع.
كما تلقى ممداني نفسه تهديدات متكررة، بما في ذلك رسائل صوتية تهدد بتفجير سيارته، مما دفع حملته إلى تشديد الإجراءات الأمنية. وقد أكد فريق جرائم الكراهية في شرطة نيويورك أنه يجري تحقيقات في هذه التهديدات.
وقد عبر ممداني عن صدمته من حجم الكراهية التي واجهها، قائلًا: «أتلقى رسائل تقول إن المسلم الجيد هو المسلم الميت. تهديدات لي ولمن أحب. لكنني أواصل العمل لجعل هذه المدينة مكانًا يشعر فيه كل نيويوركي بأنه مُرحب به».
دعوة لوأد الإسلاموفوبيا وتعزيز التعايش
هذه الحملة الشرسة، التي تشارك فيها شخصيات سياسية وعامة بارزة، تكشف عن الكراهية والعداء لكل ما هو إسلامي، والخوف من المسلمين، وكراهية الأجانب المتفشية في بعض الأوساط الأمريكية. وقد أدى هذا المناخ المسموم إلى تفشي ظاهرة الإسلاموفوبيا، واعتبار المسلمين يشكلون تهديدًا وجوديًا وخطرًا حضاريًا على الأمة الأمريكية.
هذا التصور الخاطئ، الذي طالما تغذّى على المواد الإعلامية والصور النمطية والربط الدائم بين الإسلام والتطرف العنيف، لا يهدد المسلمين وحدهم؛ بل يضع المبادئ الديمقراطية، التي دأبت الولايات المتحدة والغرب على التغني بها، في خطر حقيقي، وينذر بانهيار قيم التعايش والاندماج والسلام الداخلي للمجتمعات.
والحل لا يكمن فقط في الدعوة إلى القضاء على الإسلاموفوبيا وتعزيز مبادئ العيش المشترك والحفاظ على قيم الديمقراطية، بل يتجاوز هذه الأمور الشكلية إلى إجراءات حقيقية على الأرض تمهد فعليًا لإصلاح صورة الإسلام والمسلمين في أذهان المواطن الغربي أيًا كان جنسيته، وتظهر الوجه الحقيقي للمسلمين بعيدًا عن نمطية زائفة صاغتها المواد الإعلامية والسياسيين خلال حملاتهم الانتخابية لاستقطاب الأصوات دون النظر لاعتبارات إنسانية وقيمية تهدد وجود الآخر وأمنه وسلامه المجتمعي.
إن الحضارات لا تبني على الكراهية ورفض الآخر، فالتواصل الإنساني هو الصانع الحقيقي لها، والتاريخ الإنساني مليء بالكثير من النماذج المشرفة في التعايش وتقبل الآخر واعتباره جزء لا يتجزأ من نسيج المجتمع، يساهمون معًا في بناءه وتقدمه.