ما كيفية الوضوء بعد عمليات الليزر وجراحات العيون؟ الإفتاء توضح

في ظل تزايد الإقبال على الخضوع لعمليات الليزر وجراحات العيون، برزت تساؤلات فقهية متكررة حول كيفية أداء الوضوء بعد تلك الإجراءات الطبية، خاصة أن العين والوجه من الأعضاء الأساسية في الوضوء، التي لا تصح الطهارة بدونها. وأوضحت دار الإفتاء المصرية، في فتوى رسمية لها، أن الشريعة الإسلامية تراعي أحوال المرضى، وتُقدّر الظروف الطبية، خاصة تلك التي تمنع من استعمال الماء بشكل مباشر وفي هذا السياق أجابت دار الإفتاء المصرية
طهارة مَن أجرى عملية الليزك أو إحدى الجراحات في عينه تكون على ثلاثة أحوال بحسب الإرشادات والنصائح الطبية المقررة وبحسب نوع العملية:
الحالة الأولى: ألَّا يتضرر مِن إسالةِ الماء على عينِه وهي مغمضة، فيكفيه حينئذٍ إسالة الماء على هذه الهيئة دون إلزام بفتح الجفن.
والحالة الثانية: أن يتضرر من إسالةِ الماء على عينِه ولو في حالة إغماضها دون المسح عليها؛ فيلزمه حينئذٍ المسح عليها مباشرة إن أمكنه ذلك، أو على ما يوضع عليها من حائلٍ كلاصقة طبية أو نحوها.
والحالة الثالثة: أن يُمنع من وصول الماء مطلقًا سواء بالغَسْل أو بالمسح؛ فيسقط عنه حينئذٍ المسح كما سقط عنه الغَسْل للضرورة، على ما ذهب إليه فقهاء الحنفية والمالكية، وهذا كله مع مراعاة أن يغسل أو يمسح ما حول عينه من بقية الوجه على قدر تمكنه واستطاعته من ذلك، والتنويه على بقاء حكم سائر الأعضاء على ما هي عليه من أحكام الطهارة بحسب نوعها وشروطها وضوابطها.
بيان أن غسل الوجه من فرائض الوضوء والأدلة على ذلك
مِن المقرر شرعًا أن الوضوءَ شرطٌ مِن شروط صحة الصلاة، وأن غسل الوجه ركن مِن أركانه لا يصح إلا به؛ وقد ثبت ذلك بالكتاب والسُّنَّة والإجماع.
فمن الكتاب قوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ﴾ [المائدة: 6].
ومن السُّنَّة ما أخرجه الشيخان عن عثمان بن عفان رضي الله عنه، أنَّه دعا بوَضُوء، فأفرغ على يديه من إنائه، فغسلهما ثلاثَ مراتٍ، ثم أدخل يمينه في الوضوء، ثم تمضمض واستنشق واستنثر، ثُمَّ غسل وجهه ثلاثًا، ويديه إلى المرفقين ثلاثًا، ثم مسح برأسه، ثم غسل كلَّ رِجلٍ ثلاثًا، ثم قال: رأيتُ النبي صلى الله عليه وآله وسلم يتوضأ نحو وُضُوئي هذا، وقال: «مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لاَ يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ».
وقد نُقل الإجماع على أن غسل الوجه فرضٌ من فرائض الوضوء؛ قال الإمام ابن عبد البر المالكي في "التمهيد": [العلماء أجمعوا على أن غسل الوجه واليدين إلى المِرْفقين والرِّجْلين إلى الكعبين ومسح الرأس فرض ذلك كله.. لا خلاف علمته في شيء من ذلك].
حد الوجه الواجب غسله في الوضوء، وحكم غسل ظاهر العين وباطنها
حَدُّ الوجه الواجب استيعابه بإسالة الماء عليه في الطهارة: إنما يكون من منبت الشَّعَر إلى الذقن طولًا، وما بين شَحْمَتي الأذنين عرضًا.
قال العلامة شيخي زاده الحنفي في “مجمع الأنهر”\: [(والوجه ما بين قُصَاص الشعر) هذا باعتبار الغالب؛ لأن حَدَّ الوجه في الطول من مبدأ سطح الجبهة إلى الذَّقن سواء كان عليه شَعْر أو لا.. (وأسفل الذَّقَن) هذا حده طولًا، والذَّقن -بالتحريك- مجتمع اللَّحْيَيْن جمعه أذقان. (وشَحْمَتي الأذنين) هذا حَدُّه عرضًا، الشَّحْمة مُعلَّق القُرط، وإنما زاد لفظ الشَّحْمة إدخالًا لما بين العِذار وشَحْمة الأذن في حَدِّ الوجه مطلقًا] \ـ.
وقال العلامة الحطَّاب المالكي في "مواهب الجليل" \: [قال الفاكهاني: والجبهة ما أصاب الأرض في حال السجود، والجَبِينَان ما أحاط بها من يمين وشمال، والعارضان والعَنْفَقَة وأهداب العين والشارب، كلُّ ذلك من الوجه]
ويفهم من ذلك أن ظاهر العين من أهداب وجفون داخل قطعًا في حدود الوجه التي يجب أن يستوعبها الماء في الطهارة من الحدث، وعلى هذا اتفق الفقهاء، وأهداب العين جمع هُدْب وهو: الشعر النابت على حرف الجفن. كما في "طِلبة الطلبة" للعلامة النسفي .
والأجفان: غِطَاء العين وما يظهر عند إغماضها، كما في "لسان العرب".
ومع اتفاق الفقهاء على أن ظاهر العين ممَّا يجب أن يستوعبه الماء بالغسل وإن كان غائرًا، فقد نصوا على أن باطنها -وهو ما سترته الجفون حال إغماضها- ممَّا لا يجب على المتطهر إيصال الماء إليه؛ ذلك لأن بناء الطهارات على إيصال الماء إلى ظواهر البدن، وباطن العين ليس من الظاهر، والمقصود من الوجه ما يُواجَه به، وباطن العين مما لا يُواجَه به، مع ما في إيصال الماء إلى باطنها مِن تكلفِ الحرج والمشقة.
فأما اتفاقهم على أن ظاهر العين مما يجب إيصال الماء إليه:
قال العلامة ابن نُجَيم الحنفي في "البحر الرائق" : [قال الفقيه أحمد بن إبراهيم: إن غَمَّض عينيه شديدًا لا يجوز، ولو رَمِدت عينه فرَمِصَت يجب إيصال الماء تحت الرَّمَص إن بقي خارجًا بتغميض العين، وإلَّا فلا، وفي "المغرب": الرَّمَص ما جَمَد من الوسخ في المُوق، والمُوق: مؤخر العين، والماق مقدمها]
وقال العلامة الطحطاوي الحنفي في "حاشيته على مراقي الفلاح" (ص: 63، ط. دار الكتب العلمية): [وفي ابن أمير حاج: يجب إيصال الماء إلى أهداب العينين ومُوقيهما]
وقال العلَّامة النَّفَراوي المالكي في "الفواكه الدواني" -في بيان وجوب تتبع أماكن يبعد عنها الماء غالبًا؛ تبعًا للماتن-: [قوله: (و) يجب عليه أن (يُمَرَّ يديه على ما غَارَ) أي: غاب (من ظاهر أجفانه) حتى يعمه الماء لا داخل العين؛ لأنه من الباطن]
وأما ما تواردت عليه نصوصهم من أن باطن العين مما لا يجب إيصالُ الماء إليه:
قال العلَّامة الكاساني الحنفي في "بدائع الصنائع": [إدخال الماء في داخل العينين ليس بواجب؛ لأن داخل العين ليس بوجه؛ لأنه لا يواجه إليه؛ ولأن فيه حرجًا] .
وقال الشيخ أبو محمد الجُوَيْنِي في "الجمع والفرق" المسمَّى "الفروق": [فأما بناء الطهارات فهو على إيصال الماء إلى ظواهر البدن، وليس باطن العين والفم والأنف من جملة الظواهر]
وقال الإمام النووي الشافعي في "المجموع" أثناء بيان أحكام غسل العينين: [أما حكم المسألة فلا يجب غسل داخل العين بالاتفاق]
وقال العلامة الحَجَّاوِي الحنبلي في "الإقناع" : [ولا يجب -بل ولا يسن- غسل داخل عين لحدث ولو أَمِن الضرر؛ بل يكره، ولا يجب من نجاسة فيها]
كيفية الوضوء بعد عمليات الليزر وجراحات العيون والأدلة على ذلك
إذا عُلِم ذلك يظهر أنه إذا وَجَب على مَن أجرى عملية الليزك أو جراحة بالعين التطهر من حدث أصغر أو أكبر، وتَعَذَّر عليه إيصال الماء أو إسالته على ظاهر عينه لمدة معينة؛ عملًا بما ينصحه به الطبيب المعالج من أجل تجنب المخاطر المحتملة والوقاية من حدوث آثار جانبية، فإنه مما استقرت عليه عامةُ أحكام التشريع الإسلامي أن الحرجَ مرفوعٌ وأنه لا تُكلف نفس إلا وُسعها، فمن كُلِّف بشيءٍ من الفرائض فشَق عليه القيام به لضرورة من عذر كمرض أو غيره، جلبت هذه المشقة عليه تيسيرًا إما بالتخفيف فيه لقدر استطاعته، وإما بالترخص بتركه؛ إذ قد تقرر أن "المشقة تجلب التيسير"، وأن "الميسور لا يسقط بالمعسور"، وأن "الأعذار مؤثرة بالتخفيف في العبادات"؛ قال تعالى: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [البقرة: 286]، وقال سبحانه: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [الحج: 78].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» أخرجه الشيخان.
فأمَّا الترخص بالتخفيف على مَن يتعذر عليه إسالة الماء على عضوٍ من أعضاء الطهارة:
فقد تواردتِ النصوص والآثار على أن ما أصابه الحدث وتَعذَّر عليه إسالة الماء على عضوٍ من أعضاء الطهارة أو على جزءٍ منه، لجرحٍ أو مرضٍ أصابه، فإنه يكفيه في هذه الحالة أن يمسح عليه مباشرة أو على ما وُضِع عليه من حائلٍ أو لاصقٍ، مع غسل ما عداه من أعضاء الطهارة.
فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه قال: "خَرَجْنَا فِي سَفَرٍ فَأَصَابَ رَجُلًا مِنَّا حَجَرٌ فَشَجَّهُ فِي رَأْسِهِ، ثُمَّ احْتَلَمَ فَسَأَلَ أَصْحَابَهُ هَلْ تَجِدُونَ فِيَّ رُخْصَةً فِي التَّيَمُّمِ؟"، قَالُوا: "مَا نَجْدُ لَكَ رُخْصَةً وَأَنْتَ تَقْدِرُ عَلَى الْمَاءِ"، فَاغْتَسَلَ فَمَاتَ، فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، أُخْبِرَ بِذَلِكَ فَقَالَ: «قَتَلُوهُ قَتَلَهُمُ اللَّهُ، أَلَا سَأَلُوا إِذَا لَمْ يَعْلَمُوا فَإِنَّمَا شِفَاءُ الْعِيِّ السُّؤَالُ، إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيهِ أَنْ يَتَيَمَّمَ وَيَعْصِرَ أَوْ يَعْصِبَ عَلَى جَرْحِهِ ثُمَّ يَمْسَحَ عَلَيْهِ وَيَغْسِلَ سَائِرَ جَسَدِهِ» أخرجه الدارقطني في "السنن".
وعن نافع أن إبهام رِجْلِ ابن عمر رضي الله عنهما جُرِحَت فأَلبَسَها مَرارَةً وكانَ يَتَوَضأُ عَلَيها، وأنه كان يقول: "مَن كان له جُرحٌ مَعصوبٌ عليه تَوَضَّأَ ومَسَحَ على العِصابِ، ويَغسِلُ ما حَولَ العِصابِ" أخرجهما البيهقي في "السنن الكبرى"، والموقوف في هذا كالمرفوع، لأن الأبدال لا تنصب بالرأي، كما في "البحر الرائق" للعلامة ابن نجيم ، "ومرقاة المفاتيح" للملا علي القاري.
وقد نص جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والحنابلة في الصحيح على أنَّ من خاف على نفسه الضرر إن سَال الماء على جرحه أو موضع مرضه حال التطهر؛ فإنه يكفيه حينئذ المسح على هذا الموضع أو على ما باشره من لاصقة أو نحوها، ويغسل الصحيح من العضو مع سائر الأعضاء مما يجب عليه غسلها، واشترط الحنفية لذلك في معتمد المذهب والمالكية أن يكون القَدْرُ الذي سوف يمسح عليه أقلَّ مما سيغسله من باقي الأعضاء الواجب غسلها -كما في مسألتنا-؛ حيث يتعذر عليه غسل عينيه فقط، ولا يجمع حينئذٍ بين التيمم واستعمال الماء؛ لأنهما بَدَلَان فلا يجتمعان.
قال العلامة ابن مازه الحنفي في "المحيط البرهاني": [والمسح على الجراحة إن أمكنه أو فوق الخرقة إن كان المسح يضره، ولا يتيمم، وهو قول علمائنا]