ما حكم مرتكب الكبيرة إذا مات ولم يتب منها؟ العلماء يوضحون

في قضايا العقيدة الإسلامية، يظل مصير مرتكب الكبيرة الذي يموت دون توبة محل اهتمام دائم لدى المسلمين، خاصة في ظل تزايد التساؤلات حول ما إذا كان مرتكب الكبائر يخرج من دائرة الإسلام أم يظل داخلها مع استحقاقه للعقاب الأخروي.
بحسب ما اتفق عليه جمهور علماء المسلمين، فإن مرتكب الكبيرة – كمن شرب الخمر، أو زنى، أو سرق، أو قتل نفسًا بغير حق – إذا مات من غير توبة، يظل في دائرة الإسلام ما لم يصاحب فعله استحلالًا صريحًا للحرام. ذلك أن مرتكب الكبيرة لا يُحكم عليه بالكفر ولا يخرج من الملة، وإنما يوصف بالإيمان الناقص، ويكون تحت مشيئة الله تعالى في الآخرة؛ إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له.
وقد استند العلماء في هذا إلى أدلة كثيرة، منها قوله تعالى:
“إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ” [النساء: 48]، وهي آية محكمة دلّت على أن غير الشرك داخل في دائرة المغفرة، بحسب مشيئة الله.
كما ثبت في الحديث الصحيح أن النبي ﷺ قال:
“من مات لا يشرك بالله شيئًا دخل الجنة، ومن مات يشرك بالله شيئًا دخل النار” [رواه مسلم]. وهو نص صريح في التفريق بين الشرك – الموجب للخلود في النار – وسائر الذنوب التي قد تُغفر.
ورغم ذلك، فإن الإجماع منعقد بين أهل السنة على أن من مات مصرًا على الكبيرة دون توبة، فهو في خطر عظيم، مستحق للعذاب، إلا أن عذاب الله لا يُجزم به لأحد بعينه، ولا يُستثنى من مغفرته إلا من مات على كفر أو شرك.
ويؤكد علماء العقيدة أن من ثوابت الإيمان أن المسلم لا يكفر بذنب، مهما كان عظمه، ما لم يكن مستحلًا له بلسانه أو قلبه. وهذا هو الفارق الجوهري بين منهج أهل السنة ومنهج الخوارج الذين كفروا أصحاب الكبائر، والمعتزلة الذين اعتبروهم في منزلة بين المنزلتين.
ومن المعلوم أن كبار الصحابة والتابعين قد أنكروا هذا المسلك، وأكدوا أن العاصي المسلم يُحب لإيمانه ويُبغض لمعصيته، ويُوكل أمره إلى الله يوم القيامة.
ويُفهم من ذلك أن الرجاء في رحمة الله لا ينبغي أن يكون دافعًا للتهاون في الكبائر، فالله عدل كما هو رحيم، ولا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون. كما أن ترك التوبة والاستهانة بالذنوب يعد ضربًا من التجرؤ على حدود الله، وقد يحرم الإنسان من حسن الخاتمة بسببها.
وفي النهاية، فإن مرتكب الكبيرة إذا مات دون توبة، فهو داخل في الوعيد الإلهي، لكنه لا يُكفَّر، ويظل أمره مفوضًا إلى الله تعالى، الذي يعلم السر وأخفى، وهو أرحم الراحمين
ما المقصود بالكبائر؟
في الشريعة الإسلامية، تنقسم الذنوب إلى كبائر وصغائر، وهذا التقسيم مستند إلى نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية، وهو مما اتفق عليه جمهور العلماء. لكن ما المقصود تحديدًا بالكبائر؟ وما الضابط الذي يُعرف به الذنب أنه كبيرة؟
تعريف الكبائر:
الكبائر هي المعاصي التي ترتب عليها في الشرع حد في الدنيا، أو توعد صاحبها بعذاب في الآخرة، أو لُعن فاعلها، أو نفي عنه الإيمان، أو غلظ فيها الوعيد، أو اقترنت بغضب من الله أو طرد من رحمته.
قال الإمام الذهبي في كتابه “الكبائر”، وهو من أشهر من صنف فيها:
“الكبيرة هي كل ذنب توعد عليه بنار، أو غضب، أو لعنة، أو عذاب”.
أمثلة على الكبائر:
من أبرز الكبائر التي وردت النصوص في ذمها:
• الشرك بالله (وهو أعظم الكبائر)
• قتل النفس بغير حق
• الزنا
• شرب الخمر
• السرقة
• أكل الربا
• قذف المحصنات
• عقوق الوالدين
• أكل مال اليتيم
• شهادة الزور
• السحر
• ترك الصلاة عمدًا
• الغش والخيانة
وقد ورد في الحديث الشريف عن النبي ﷺ قوله:
“اجتنبوا السبع الموبقات”، قيل: وما هن يا رسول الله؟ قال:
“الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات” [رواه البخاري ومسلم].
الفرق بين الكبائر والصغائر:
الكبيرة لا تُكفر إلا بتوبة صادقة، بينما الصغائر قد تُكفَّر باجتناب الكبائر أو بأعمال صالحة كالصلاة والوضوء والصدقة.
قال تعالى:
“إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ” [النساء: 31].
ضابط معرفة الكبيرة:
ليس كل ذنب كبيرة، بل يُنظر إلى شدة وعيد الله فيه، أو إلى ما يلحقه من آثار شرعية (كالحدود) أو وصف (كاللعن أو الطرد من الرحمة). ومع ذلك، فإن بعض الذنوب قد تكون صغيرة في ذاتها، لكنها تُصبح كبيرة إذا اقترنت بالإصرار أو التهاون أو المجاهرة بها