1 محرم 1447.. دعاء استقبال العام الهجري الجديد بدعة أم مستحب؟

مع حلول الأول من محرم 1447 هجريًا، من العام الهجري الجديد يتجدد الأمل في النفوس وتتعلق القلوب بموسم جديد من الرحمة والمغفرة، حيث يفتح العام الهجري أبوابه ليستقبل دعوات المسلمين بالتوفيق والسداد، مستلهمين من الهجرة النبوية أعظم دروس الثبات والإخلاص والتوكل على الله
وفي هذا السياق، أكدت دار الإفتاء المصرية في بيان لها أن استقبال العام الهجري الجديد بالدعاء والاستغفار والتوبة يُعد من السنن الحسنة التي يتقرب بها العبد إلى ربه، خاصة في مواسم النفحات التي أمرنا النبي ﷺ باغتنامها.
دعاء بداية العام الهجري
ومن الأدعية التي يُستحب ترديدها مع دخول العام الهجري الجديد:
“اللهم اجعله عامًا مباركًا، واجعلنا فيه من عبادك المقبولين، اللهم ارزقنا فيه عملاً صالحًا يُرضيك، وحقق لنا ما نتمنى، وادفع عنا السوء والبلاء، واغفر لنا ما مضى، وأصلح لنا ما بقي.”
كما يُستحب أن يُقال:
“اللهم إني أسألك خير هذا العام، فتحه، ونصره، ونوره، وبركته، وهداه، وأعوذ بك من شر ما فيه وشر ما بعده.”
وقد وردت أدعية مشابهة في بعض الآثار وإن لم تكن مروية بأسانيد قوية عن النبي ﷺ، إلا أن العلماء أجازوا الدعاء بها باعتبارها دعاءً مطلقًا لا يتعارض مع العقيدة.

الدعاء في بداية العام الهجري الجديد
ويقول الدكتور محمد وسام، أمين الفتوى بدار الإفتاء، إن الدعاء في بداية العام الهجري هو تعبير صادق عن حسن التوكل على الله، وتجديد للنية في السير على درب الصالحين، مستندًا إلى ما نُقل عن بعض الصحابة والتابعين من الدعاء في مطلع العام الجديد، وطلبهم العون من الله على ما هو قادم.
وأضاف أن استقبال محرم بالأدعية الصادقة يربط العبد بأحداث الهجرة النبوية، حين ترك النبي ﷺ أحب البلاد إلى قلبه فداءً لدعوته، متجهاً نحو المدينة المنورة في رحلة حملت معاني الفداء والإخلاص والصبر.
ما فضل شهر محرم 1447؟
وعن فضل شهر محرم، بيّنت دار الإفتاء أن شهر محرم 1447 من الأشهر الحرم التي عظّم الله شأنها في كتابه الكريم، وهو أول شهور السنة الهجرية، ويُعد من أفضل الأوقات للطاعات، خاصة صيام يوم عاشوراء، الذي يكفّر ذنوب سنة ماضية، كما ثبت في الحديث الصحيح.
ودعت دار الإفتاء جموع المسلمين إلى جعل هذا الشهر نقطة انطلاق نحو التصالح مع الله، وبدء صفحة جديدة مع النفس، بالتوبة النصوح والاجتهاد في الطاعات، ومحاسبة النفس على ما فات، طلبًا للقبول في عام جديد قد يكون مفتاحًا للخير أو خاتمة لأعمالنا

حكم الدعاء في بداية العام الهجري وآخره
تخصيصُ يوم معيَّن في السَّنَة بدعاءٍ معينٍ من أدعية الصالحين ومُجَرَّبَاتهم أو عبادةٍ معينةٍ أمرٌ جائزٌ شرعًا جرى عليه عمل المسلمين عبر القرون، ونص أهل العلم من مختلف المذاهب على مشروعيته، ما لم يُعتَقَد أنه سنّةٌ نبوية.
والدعاءان المشار إليهما في السؤال هما من الأدعية المستحسَنة المأثورة عن مشايخ السادة الحنابلة منذ نحو ألف سنة:
فدعاء أوَّل السنة أن يقول المسلم: "اللهم أنتَ الأبدي القديم، وهذه سَنَةٌ جديدة، أسألك فيها العصمة من الشيطان وأوليائه، والعَوْنَ على هذه النَّفْس الأمَّارة بالسُّوء، والاشتغال بما يقرِّبُني إليك، يا ذا الجلال والإكرام".
ودعاء آخر السنة أن يقول في آخر أيامها: "اللهم ما عَمِلْتُ في هذه السنة مما نهيتني عنه، ولم تَرْضَه ولم تنسه، وحَلُمْتَ عني بعد قُدْرتك على عقوبتي، ودعوتني إلى التَّوبة من بعد جرأتي على معصيتك، فإني أستغفرك منه، فاغفرْ لي، وما عَمِلْتُ فيها مما ترضاه ووعدتني عليه الثَّواب، فأسألك أن تتقبَّلَه مني، ولا تقطع رجائي منك يا كريم".

ما حكم دعاء أول العام وآخره؟
دعاءُ أولِ العام ودعاءُ آخره هما من أدعية الصالحين ومُجرَّبَاتهم، وهما من الأدعية المستحسَنة المأثورة عن مشايخ السادة الحنابلة منذ نحو ألف سنة، وقد كان يوصي بهما ويعلِّمُهما وينقُلُهما عن مشايخه إمامُ الحنابلة وشيخُهم في وقته؛ الشيخُ الإمامُ الوليُّ الصالحُ أبو عمر المقدسي محمد بن أحمد بن محمد بن قدامة الحنبلي [ولد سنة 528هـ، وتوفي سنة 607هـ]، وهو أخو الإمام العلامة الموفق بن قدامة [ت: 620هـ] صاحب كتاب "المغني" في الفقه.
قال العلامة المؤرخ شمس الدين أبو المظفر يوسف سبط ابن الجوزي في تاريخه "مرآة الزمان في تواريخ الأعيان" (22/ 180-181، ط. دار الرسالة العالمية): [وعَلَّمَني دُعاء السَّنَة، فقال: ما زال مشايخنا يواظبون على هذا الدُّعاء في أوَّل كلِّ سنة وآخرها، وما فاتني طول عمري: أما أوَّل السنة فإنَّك تقول: "اللهم أنتَ الأبدي القديم، وهذه سَنَةٌ جديدة، أسألك فيها العصمة من الشيطان وأوليائه، والعَوْنَ على هذه النَّفْس الأمَّارة بالسُّوء، والاشتغال بما يقرِّبُني إليك يا ذا الجلال والإكرام"، فإنَّ الشيطان يقول: قد آيسنا مِنْ نفسه فيما بقي، ويوكل الله به ملكين يحرسانه. وأما دعاءُ آخر السنة، فإنَّه يقول في آخر يوم من أيام السَّنة: "اللهم ما عَمِلْتُ في هذه السنة مما نهيتني عنه، ولم تَرْضَه ولم تنسه، وحَلُمْتَ عني بعد قُدْرتك على عقوبتي، ودعوتني إلى التَّوبة من بعد جرأتي على معصيتك، فإني أستغفرك منه فاغفرْ لي، وما عملت فيها مما ترضاه ووعدتني عليه الثَّواب، فأسألك أن تتقبَّلَه مني، ولا تقطع رجائي منك يا كريم". فإنَّ الشيطان يقول: تعبنا معه طول السنة فأفسد فِعْلَنَا في ساعة] اهـ.
ومنذ ذلك الحين وأهل العلم من مختلف المذاهب والمشارب يتناقلون هذين الدعاءين ويوصون بهما في أذكار العام من غير نكير، حتى نبتت هذه النابتة فجعلت الدعاء بهما بدعة، متهِمَةً الأمةَ وعلماءَها بالضلال من غير علم ولا تثبُّتٍ ولا فهم؛ كالادِّعاء بأن الكتب التي تذكر هذين الدعاءين ليست معتمدة ولا تهتم بتصحيح الحديث، وهي دعوى فاسدة نشأت عن عدم الاطلاع؛ فإن الكتاب المذكور في السؤال هو "حاشية العلامة أبي عبد الله محمد بن المدني كنُّون [ت: 1302هـ] فقيه أهل المغرب في عصره، اختصر فيها حاشية العلامة محمد بن أحمد الرهوني [ت: 1230هـ] مفتي المالكية في عصره، على شرح العلامة محمد بن عبد الباقي الزرقاني المالكي [ت: 1122هـ] خاتمة المحدثين بالديار المصرية، على متن العلامة الشيخ أبي المَوَدَّة خليل المالكي [ت: 776هـ]"، وهو من كتب المالكية المتفق على اعتمادها في المذهب، والعلامة كنون نقلهما عن العلامة علي الأجهوري شيخ المالكية، عن سبط ابن الجوزي، عن الشيخ أبي عمر المقدسي، ولم يدَّع أحدٌ ورودَهما في الحديث الشريف حتى يُحتاجَ إلى الفحص عن سند روايتهما، ولم يدَّع أحد من علماء الحنابلة -فضلًا عن غيرهم- أنها بدعةٌ أو محرمة أو ما أشبه ذلك من الأحكام الهوجاء التي لا خطام لها ولا زمام.