دار الإفتاء: احتكار السلع الضرورية وإخفاؤها عن التداول عمل محرم شرعًا

في وقتٍ تتزايد فيه حاجات الناس وتتفاوت قدراتهم المعيشية، يظهر سلوك شديد الخطورة لا يمس الجانب المادي فقط، بل يهدد الأخلاق والقيم المجتمعية والدينية في آنٍ واحد، وهو احتكار السلع واستغلال حاجة الناس وقد ورد سؤال إلى دار الإفتاء المصرية المصرية " ما حكم ما يقوم به بعض التجار من احتكار السلع؟
الاحتكار في اللغة هو الحبس، وفي الاصطلاح الفقهي يُعرّف بأنه: “شراء السلعة وتخزينها وقت الغلاء، انتظارًا لارتفاع ثمنها وبيعها لاحقًا بثمن أعلى مستغلًا حاجة الناس”. وقد ورد في الصحيحين عن النبي ﷺ أنه قال:
“من احتكر فهو خاطئ” [رواه مسلم]، والخاطئ في اللغة هو الآثم المتعمد، ما يدل على التحريم الصريح لهذا الفعل.
وفي حديث آخر رواه أحمد وأبو داود والترمذي بسند حسن، قال النبي ﷺ:
“الجالب مرزوق، والمحتكر ملعون”، وهو وعيد شديد يدل على فساد هذا السلوك، وخطورته في ميزان الشرع.
المقصود من احتكار السلع ورأي العلماء:
كما أكد العلماء أن الاحتكار لا يقتصر فقط على الطعام، بل يشمل كل ما يحتاجه الناس، كالأدوية، والوقود، والسلع الضرورية، وفقًا لما قرره فقهاء المذاهب الأربعة، خاصة إذا تعلقت الحاجة بها وكانت سببًا في إلحاق الضرر بجمهور الناس.
من جهتها، أصدرت دار الإفتاء المصرية فتوى واضحة تحرم فيها الاحتكار بكل صوره، واعتبرته من كبائر الذنوب، خاصة في أوقات الأزمات والشدائد. وأكدت في إحدى فتاويها أن:
“احتكار السلع الضرورية، وإخفاؤها عن التداول بغرض رفع أسعارها ظلمًا وعدوانًا هو عمل محرم شرعًا، ويتنافى مع مقاصد الشريعة التي جاءت برفع الحرج وتيسير سبل المعيشة للناس، لا بتعقيدها وتحميلهم فوق طاقتهم”.
وأوضحت الدار أن المحتكر آثم شرعًا، ويجوز للسلطات المختصة أن تتدخل لمنعه، بل وفرض تسعير عادل يضمن مصلحة البائع والمستهلك معًا، استنادًا لقاعدة “لا ضرر ولا ضرار”.
كما أضافت أن الإسلام لم يغفل الجوانب الاقتصادية في بناء المجتمع، بل دعا إلى السوق الحر المنضبط، وأقر التنافس المشروع، لكنه حرم الغش والاحتكار والاستغلال، لأنها تؤدي إلى الإضرار بالمصلحة العامة.
وفي هذا السياق، تدعو دار الإفتاء جميع التجار إلى مراعاة الله في بيعهم وشرائهم، وتغليب مصلحة الناس على المصالح الضيقة، خاصة في أوقات الأزمات، مؤكدة أن البركة لا تكون في الربح الفاحش، بل في الكسب الحلال، والتجارة الرحيمة، والنية الصادقة.
وفي الختام، تبقى دعوة الشريعة الإسلامية واضحة وصريحة: لا لاحتكار السلع، لا لاستغلال حاجة الناس، نعم للعدل والتراحم، ونعم لاقتصاد نظيف يراعي حقوق الجميع، دون أن يتحول إلى وسيلة للابتزاز والإثراء غير المشروع