بين الخوف من الله والرجاء في رحمته..كيف يوازن المسلم في عبادة الله؟

في طريق العبودية، لا يسير القلب على وتيرة واحدة، بل يتقلب بين مشاعر تُهذب النفس وتضبطها على مراد الله عز وجل، وعلى رأس هذه المشاعر: الخوف من الله، والرجاء في رحمته. وهما ركنان أصيلان في العبادة، لا يصح إيمان عبدٍ إلا بهما. وفي هذا السياق، أوضحت دار الإفتاء المصرية أن المؤمن الحق هو من يعبد الله حبًّا، وخوفًا، ورجاءً، فلا يطغى عليه جانب حتى لا يزيغ قلبه، ولا يضعف يقينه.
وقالت الدار في بيان نشرته عبر موقعها الرسمي إن الخوف والرجاء هما جناحا الطائر الذي لا يطير إلى الله إلا بهما، فإذا اختلّ الميزان، مال القلب إمّا إلى الغرور أو إلى القنوط. واستشهدت بعدد من الآيات والأحاديث التي تؤصل لهذا المنهج المتوازن، الذي ربّى عليه النبي ﷺ أصحابه، وكان ديدن السالكين إلى الله من الأنبياء والصالحين.
القرآن الكريم: دعوة للاستماع والتوازن
جاء في القرآن الكريم العديد من الآيات التي تجمع بين الترغيب والترهيب، وأبرزها قوله تعالى:
﴿نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ﴾ [الحجر: 49–50]
وهي آية جامعة تؤكد للمؤمن أن الله غفور رحيم، لكن لا ينبغي أن ينسى أنه شديد العقاب، فيعيش بين الأمل والخشية.
كما قال تعالى في وصف عباد الله الصالحين:﴿يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا﴾ [السجدة: 16]
فالدعاء لا يكون صادقًا إلا إذا انبعث من قلب يرجو الله ويخافه في آنٍ واحد.
السنة النبوية: حسن الظن في لحظات اليقين
في صحيح مسلم، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه، قال رسول الله ﷺ:
“لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله عز وجل”
وهو توجيه صريح بأن يُغلب المؤمن جانب الرجاء عند الموت، ليُحسن الظن بربه.
كما قال النبي ﷺ في حديث آخر:“لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة ما طمع في جنته أحد، ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة ما قنط من جنته أحد” (رواه مسلم)
وهو من أعظم ما يدل على ضرورة الجمع بين الخوف والرجاء دون تطرف أو إفراط.
متى يُغلب المسلم أحدهما على الآخر؟
أجابت دار الإفتاء بأن الأصل في حياة المسلم أن يوازن بين الخوف والرجاء، فلا يغتر بطاعته، ولا ييأس من ذنبه. لكن يُستحب في حال المرض أو عند الموت أن يغلب الرجاء في رحمة الله، وأما في أوقات المعصية والغفلة فيُغلب الخوف حتى يردعه عن التهاون.
وأوردت الدار توصيات عدد من العلماء الكبار، منهم الإمام النووي وابن القيم، بأن “الخوف يصحبه التعظيم والهيبة، والرجاء يصحبه حسن الظن والإقبال، والعبد بين هذا وذاك يعيش بسلام نفسي وروحي”.
أثر التوازن في حياة العابد
أوضحت الإفتاء أن المسلم إذا عاش متوازنًا بين الخوف والرجاء، صار قلبه حيًّا، ونفسه مطمئنة، وعلاقته بالله قائمة على الطمع في الجنة والحذر من النار. فيستمر في الطاعة بحب، ويُقبل على العبادة بشوق، ويترك المعاصي خشية أن يُحرم رضوان الله.
وختمت الفتوى برسالة للمسلمين، جاء فيها:
“اجعل قلبك بين جناحي خوف ورجاء.. فإذا خفت من معصيتك، فارجُ رحمة الله.. وإذا رجوت رحمته، فخف أن تُقصّر في حقه.. فتكون عبدًا ربانيًّا، يعرف قدر ربه، ويعرف قدر