عاجل

ذات الهجرتين |السيدة رقية.. قصة ابنة النبي التي جمعت بين الصبر والوفاء

السيدة رقية
السيدة رقية

تُعد السيدة رقية بنت الرسول ﷺ واحدة من الشخصيات الإسلامية التي خلدها التاريخ بسيرتها الطاهرة وأخلاقها الكريمة، جمعت في حياتها بين الابتلاءات العظيمة والصبر الجميل، فكانت نموذجًا يُقتدى به في التضحية والثبات على الدين.

نشأة السيدة رقية بنت رسول الله ﷺ:

وُلِدت السيدة رقية بنت رسول الله ﷺ في مكة المكرمة قبل البعثة النبوية بنحو سبع سنوات، ونشأت في كنف والدها النبي محمد ﷺ وأمها خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، فنشئت على مكارم الأخلاق والصفات الحميدة، كانت واحدة من أربع بنات للنبي ﷺ: زينب، ورقية، وأم كلثوم، وفاطمة رضي الله عنهن جميعًا.

كانت السيدة رقية رضي الله عنها معروفة بجمالها وأدبها الرفيع، حتى لُقبت بـ"ذات الهجرتين" لأنها هاجرت مرتين؛ الأولى إلى الحبشة، والثانية إلى المدينة المنورة.

زواجها من عثمان بن عفان رضي الله عنه:

في البداية، خُطبت رقية إلى "عتبة بن أبي لهب"، ابن عم النبي ﷺ، لكن سرعان ما انهارت هذه الخطبة بعد نزول سورة المسد التي تبرأت من أبي لهب وزوجته، فأمر أبو لهب ابنه بتطليقها نكاية برسول الله ﷺ.

بعد ذلك، تزوجت السيدة رقية من الصحابي الجليل عثمان بن عفان رضي الله عنه، أحد العشرة المبشرين بالجنة، الذي كان يُعرف بحيائه وكرمه، وكان زواجها من عثمان بداية لحياة ملؤها التضحية في سبيل الله، حيث واجهت مع زوجها أذى قريش وثباتهما على الإسلام.

الهجرة إلى الحبشة: صبرٌ وثباتٌ في وجه المحن

عندما اشتد اضطهاد قريش للمسلمين، أذن النبي ﷺ لبعض أصحابه بالهجرة إلى الحبشة، فكانت السيدة رقية وزوجها عثمان من أوائل المهاجرين، قال النبي ﷺ عن هذا الموقف: "ذهب عثمان برقية، وأحسبهما أول من هاجر إلى الله بعد لوطٍ عليه السلام".

عاش الزوجان في الحبشة عدة سنوات في أمان نسبي تحت حماية النجاشي، ورغم البعد عن مكة وأهلها، صبرت السيدة رقية على الغربة في سبيل الحفاظ على دينها، وبعد أن بلغهم أن الأوضاع في مكة قد تحسنت، عادا ليواجها من جديد اضطهاد قريش.

الهجرة إلى المدينة المنورة:

مع استمرار أذى قريش للمسلمين، أمر النبي ﷺ أصحابه بالهجرة إلى المدينة المنورة، كانت هذه الهجرة الثانية للسيدة رقية، ورافقت زوجها عثمان رضي الله عنه، حيث بدأ المسلمون بناء مجتمعهم الجديد تحت راية الإسلام.

مرض السيدة رقية ووفاتها

في السنة الثانية من الهجرة، وبينما كان المسلمون يستعدون لغزوة بدر، أصيبت السيدة رقية بمرض خطير (يرجح أنه الحصبة أو الحمّى). أمر النبي ﷺ عثمان رضي الله عنه بالبقاء إلى جانبها للعناية بها، ولم يُشارك في المعركة لهذا السبب.

في أثناء احتفال المسلمين بانتصارهم في غزوة بدر، توفيت السيدة رقية رضي الله عنها عن عمر ناهز 22 عامًا، وقد حزن النبي ﷺ لفقدها، ووقف عند قبرها يدعو لها بالرحمة والمغفرة.

قال أنس بن مالك رضي الله عنه: "شهدنا بنت رسول الله ﷺ، ورسول الله جالس على القبر، فرأيت عينيه تدمعان." (رواه البخاري)

موقف النبي ﷺ من وفاة ابنته: كان لفقد السيدة رقية أثر بالغ على قلب النبي ﷺ، لكنه رغم حزنه العميق، ضرب أروع الأمثلة في الرضا بقضاء الله وقدره، وعزّى النبي ﷺ عثمان في مصابه، وبشّره بمكانته الرفيعة في الجنة، وقد قال له: "إن لك أجرًا بقدر مصيبتك وصبرك عليها".

مكانة رقية بنت رسول الله ﷺ في الإسلام:

ذات الهجرتين: لأنها هاجرت إلى الحبشة ثم إلى المدينة.

زوجة ذو النورين: إذ تزوجها عثمان بن عفان رضي الله عنه، ثم تزوج أختها أم كلثوم بعد وفاتها.

الصبر على البلاء: عانت من المرض والغربة لكنها بقيت ثابتة على دينها.

دروس وعبر من حياة السيدة رقية رضي الله عنها

١.الصبر والثبات: رغم المحن التي تعرضت لها، لم تتخلّ عن إيمانها ولم تتراجع عن نصرة دينها.

٢.التضحية من أجل العقيدة: تركت وطنها مرتين في سبيل الإسلام.

٣.الوفاء في العلاقة الزوجية: عُرف عنها وعن زوجها عثمان الحب والوفاء المتبادل.

٤.الرضا بالقضاء والقدر: رغم وفاتها في ريعان شبابها، بقيت ذكراها العطرة حيّة في القلوب.

تبقى السيدة رقية بنت رسول الله ﷺ مثالًا يُحتذى به للمرأة المسلمة المؤمنة التي تحملت الصعاب في سبيل الله، سيرتها المباركة تضيء درب المسلمين، وتعلّمنا أن طريق الإيمان محفوف بالابتلاء، لكن العاقبة للصابرين.

تم نسخ الرابط