بين الفطرة والضوابط.. كيف نظّم الإسلام حب المرأة للزينة والتجمل؟

في إطار تسليط الضوء على مواقف الشريعة من السلوكيات اليومية، يؤكد علماء الدين أن الإسلام لم يغفل فطرة المرأة في حب الزينة والتجمُّل، بل أقرها ونظمها، وجعل لها ضوابط تحفظ التوازن بين المظهر والجوهر، وبين الإباحة والاعتدال.
كيف نظّم الإسلام حب المرأة للزينة والتجمل؟
أكدت دار الإفتاء أن الشريعة الإسلامية راعت طبيعة النفس البشرية وميولها الفطرية، فجعلت إشباع حاجات الإنسان الأساسية أحد مقاصدها، بما يضمن التوازن بين الروح والجسد، وبين الالتزام والانفتاح. قال تعالى: ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ [الملك: 14]، في إشارة إلى علم الله التام بخفايا النفوس، وتشريعه بما يناسبها.
ومن أبرز الجوانب التي فُطر عليها النساء: حب الزينة والتجمّل، وهو أمر أقرّه الإسلام وراعاه، فأباح لهن من وسائل التجمّل ما لم يُبحه للرجال، كالذهب والحرير، لقوله تعالى: ﴿أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ﴾ [الزخرف: 18].
وقد فسّر العلامة الواحدي الآية بأن المراد بها الأنثى التي تنشأ في الزينة بطبعها، كما ورد في “التفسير الوسيط”.
ولأن الزينة جزء من العلاقة بين الزوجين، فقد حثّ الشرع الشريف المرأة على التجمّل لزوجها، واعتبر ذلك من صفات الزوجة الصالحة. ففي الحديث الصحيح عن النبي ﷺ، لما سُئل: أي النساء خير؟ قال: «التي تسره إذا نظر» [رواه الإمام أحمد].
وقد بيّن الملا علي القاري أن المقصود هو أن تُدخل الزوجة السرور على زوجها من خلال حسن الخلق والمظهر، وإن اجتمع الجمال الظاهري والباطني، فهو كمال فوق كمال.
وفي موقف عملي من حياة السيدة عائشة رضي الله عنها، لما سُئلت عن استخدام الحناء والزينة، أقرّت ذلك، بل وشجّعت النساء عليه، خاصة لمن كانت متزوجة، فقالت: “إن كان لك زوج فاستطعت أن تنزعي مقلتيك فتصنعيهما أحسن مما هما فافعلي” [رواه ابن سعد]، في تعبير بلاغي عن أهمية التجمل للزوج.
كما ورد عن الإمام بدر الدين العيني أن إزالة الكلف أو تحسين الوجه بأدوية تجميلية لا حرج فيه، ما دام في حدود المباح، وهو ما وافقه عليه ابن الملقن، ونقل مثله ابن مفلح الحنبلي في كتابه “الفروع”، حيث أشار إلى جواز استخدام أدوات الزينة كالنقش والتحمير بإذن الزوج.
خلاصة القول: أن الإسلام لم يكتفِ بالاعتراف بجبلّة المرأة في حب الزينة، بل شجّع على تنظيمها وتوجيهها، فجعلها عبادة إذا قصد بها رضا الزوج وتوثيق روابط المودة، وضبطها بضوابط الشرع لتظل الزينة في إطارها المشروع، جمالًا للنفس والجسد، لا فتنة ولا إسراف