من سجن أمريكي إلى مصافحة ترامب.. كيف صعد الشرع من القاعدة إلى زعامة سوريا؟

مشهد بدا قبل سنوات ضربًا من الخيال؛ مقاتل سابق، مجرد رجل من "المشاة" في تنظيم القاعدة، حارب القوات الأمريكية في شوارع العراق، وذاق مرارة "سجن أبو غريب" سيئ الصيت، الآن يقف اليوم تغمره أضواء المسرح العالمي، ليس كإرهابي نجح مجتمع الاستخبارات الأمريكي في الظفر به، بل رجل متأنق وصفه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأنه "شاب جذاب وقوي البنية" أثناء مصافحته والاحتفاء به في الرياض.
اللقاء التاريخي، الذي جرى يوم الأربعاء، كان بمثابة تحول غير مسبوق في مسار السياسة الدولية، فالتاريخ الذي يربط الرجلين كان مليئًا بالعداء والدماء بين "الشيطان الأكبر"، كما كان مؤسس القاعد الراحل أسامة بن لادن يُطلق على الولايات المتحدة، وأحد تلامذة "الشيخ"، كما يُطلق أتباع بن لادن عليه. لكن اللحظة الراهنة، التي تُظهر تحولًا دراماتيكيًا في العلاقات بين الشرق والغرب، تؤكد صدق ما قاله رئيس الوزراء البريطاني الراحل وينستون تشرشل، بأنه ليس هناك عدو أو صديق دائم، فقط هناك مصلحة دائمة.
وبينما استطاعت إدارة الشرع الناشئة -التي تسعى لإثبات نفسها على الساحة الدولية- أن تحقق اختراقًا دبلوماسيًا من خلال هذا اللقاء، يبدأ فصل جديد من التوازنات في الشرق الأوسط، وتحضر معه الأسئلة الكبرى عن إعادة تشكيل التحالفات وإعادة تعريف الأعداء، وفقا لمصلحة كل من اللاعبين.
اقرأ ايضا: ترامب عن الشرع: «شاب جذاب وقوي البنية» وندرس التطبيع مع بلاده

رفع العقوبات عن سوريا
في خطابٍ له تحدّث الشرع عن توحيد بلاده، قائلاً: "معًا يمكننا فتح فصلٍ جديدٍ في تاريخ أرضنا الحبيبة. من هنا، أتوجه إليكم اليوم بصفتي رئيسًا لسوريا في هذه المرحلة المصيرية، سائلًا الله أن يوفقنا جميعًا لإحياء وطننا، وتجاوز التحديات التي تواجهنا، ولن يكون ذلك إلا بتكاتفنا جميعًا شعبًا وقيادةً، كما قال الشرع في خطابه في يناير.
وأكد الشرع عزمه على تشكيل حكومة شاملة "تعكس تنوع سوريا برجالها ونسائها وشبابها". كما قال إنه يعتزم بناء مؤسسات سورية جديدة "لنصل إلى مرحلة انتخابات حرة ونزيهة".
وأضاف: "أتوجه إليكم اليوم ليس كحاكم، بل كخادم لوطننا الجريح، أسعى بكل ما أوتيت من قوة وإرادة لتحقيق وحدة سوريا ونهضتها، وعلينا جميعًا أن نعي أن هذه مرحلة انتقالية، وهي جزء من عملية سياسية تتطلب مشاركة حقيقية من جميع السوريين والسوريات، داخل البلاد وخارجها، لنبني مستقبلهم بحرية وكرامة، دون تهميش أو إقصاء".
قبلها، خلال اللقاء الذي عُقد بوساطة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، أعلن ترامب أنه سيرفع العقوبات الأمريكية المرهقة المفروضة على سوريا. في المقابل، حثّ الشرع على تلبية شروط محددة على أمل أن يُسهم ذلك في استقرار البلاد. تشمل هذه الشروط تطبيع العلاقات مع جيران سوريا، بما في ذلك إسرائيل، وكذلك الولايات المتحدة.
انتهت الحرب الأهلية السورية في ديسمبر عندما أطاح الشرع ومجموعة من المقاتلين المتمردين بحكومة الرئيس بشار الأسد.
ومنذ ذلك الحين، يعمل الشرع على تشكيل حكومة جديدة، وتوحيد الجماعات المتمردة المتنافسة داخل سوريا، وتهدئة الاقتتال الداخلي بين الموالين السابقين لنظام الأسد، وترسيخ وجود دبلوماسي على الساحة العالمية، وفقًا لما ذكرته قناة ABC News.
في تحليل لشبكة ABC News، الأمريكية، يقول جون كوهين، وكيل وزارة الأمن الداخلي السابق لشؤون الاستخبارات: "لطالما كان هناك احتمالٌ بأن يملأ شخصٌ مرتبطٌ بإحدى الجماعات الأكثر تطرفًا أو ارتباطًا بالإرهاب فراغًا في السلطة".
في الوقت نفسه، أشار إلى أن الولايات المتحدة "ليس لديها خيارٌ سوى التواصل مع الشرع"، موضحًا أن استقرار سوريا أمرٌ حيويٌّ لمنطقة الشرق الأوسط بأكملها.
وقال : "علينا التواصل. هناك قوى أخرى، مثل الصين وروسيا، ستكون سعيدةً للغاية بفرض سيطرتها الجيوسياسية على المنطقة. لذا، من مصلحتنا ألا يحدث ذلك".
اقرأ أيضا: أحمد الشرع فى ليبيا قريبا.. وتوجيهات عاجلة بفتح السفارة السورية

من هو أحمد الشرع؟
وُلد أحمد الشرع، البالغ من العمر 42 عامًا، في المملكة العربية السعودية لعائلة تنحدر أصولها من مرتفعات الجولان المحتلة من قِبل إسرائيل. ونشأ في دمشق، عاصمة سوريا، وفقًا لتوماس واريك، المحامي الدولي ومساعد وزير الأمن الداخلي السابق لمكافحة الإرهاب.
ونقلت ABC News عن واريك، الذي يشغل حاليًا منصب زميل أقدم غير مقيم في برامج الشرق الأوسط في المجلس الأطلسي -وهو مركز أبحاث مستقل في واشنطن- إن الشرع "كان شابًا هادئًا، مجتهدًا، وذكيًا للغاية، وفقًا لجميع التقارير التي تلقيناها عنه عندما كان قائدًا إرهابيًا".
وعلى عكس بعض القادة الإرهابيين؛ بمن فيهم أبو بكر البغدادي، الزعيم الراحل لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وأيمن الظواهري، زعيم تنظيم القاعدة الراحل؛ عرف عن الشرع أنه "قائد ذو كاريزما"، على حد قول واريك.
وأضاف واريك أن الشرع انضم إلى تنظيم القاعدة في شبابه عقب الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 "بعد غزو العراق مباشرة، قاتل في صفوفهم. قال إنه جندي مشاة".
وأضاف واريك أن الشرع اتخذ اسم "أبو محمد الجولاني" بعد انضمامه إلى تنظيم القاعدة، مضيفًا أن كلمة "الجولاني" في اسمه المستعار حملت إشارة إلى موطن عائلته "الجولان".
سجن أبو غريب
أثناء قتاله مع تنظيم القاعدة في العراق، ألقت القوات العسكرية الأمريكية القبض على الشرع وسُجن في سجن أبو غريب ومراكز احتجاز أخرى. لكن بعد فترة من بدء انسحاب القوات الأمريكية من العراق عام 2007، أُطلق سراح الشرع من السجن وعاد إلى سوريا. هناك، أسس الشرع وقاد تنظيم "جبهة النصرة" التابع لتنظيم القاعدة.
ويشير واريك إلى أن الشرع اختلف لاحقًا مع البغدادي بشأن قرار إقامة خلافة إسلامية إقليمية، وهي الدولة التي قادها البغدادي في أجزاء من العراق والشام قبل السيطرة عليه.
من "جبهة النصرة" إلى "هيئة تحرير الشام"
خلال الحرب الأهلية السورية، غيّر الشرع اسم التنظيم الذي يقوده من "جبهة النصرة" إلى "هيئة تحرير الشام"، واستقر في إدلب شمال غرب سوريا قرب الحدود التركية.
وحتى الآن، لا تزال "هيئة تحرير الشام" مدرجة على قائمة وزارة الخارجية الأمريكية للمنظمات الإرهابية الأجنبية.
وقال واريك: "لكن هناك تاريخًا مثيرًا للاهتمام منذ ذلك الحين، يعود جزئيًا إلى غروره، وجزئيًا إلى طموحه، وفهمه للاقتصاد وكيف تحتاج جماعات مثله إلى الدعم الاقتصادي لامتلاك السلطة".
وللحصول على إيرادات لجماعته، قال واريك إن الشرع بدأ "ما يُعتبر إما ضرائب أو ابتزازًا" على الشاحنات العابرة من تركيا إلى سوريا "استخدم الضرائب لجمع الأموال من الشركات وأي شخص يرغب في العبور أو البقاء. هذا ما مكّنه من أن يصبح أحد أكثر أمراء الحرب فعالية في ذلك الجزء من شمال غرب سوريا".
اقرأ أيضا: أحمد الشرع لن يحضر «قمة بغداد» بسبب رفض القادة العراقيين

الصعود إلى الرئاسة
خلال الحرب الأهلية في سوريا، فرّ أكثر من مليون سوري إلى تركيا، مما دفع رئيسها، رجب أردوغان، إلى طلب تنازلات من الأسد في منتصف عام 2024 لتخفيف عبء اللاجئين الذي كانت تركيا تعاني منه، وفقًا لواريك.
إلا أن خلافًا نشب بين الزعيمين عندما رفض الأسد طلب أردوغان، وفقًا لوارييك.
في الوقت نفسه، وضعت جماعة الشرع وجماعات متمردة أخرى معارضة لنظام الأسد خطة لشن هجوم عسكري محدود ضد القوات الحكومية.
وبدعم من أردوغان، وفقًا لوارييك، تمكنت جماعة الشرع وجماعات متمردة أخرى من الإطاحة بالنظام وإزاحة الأسد عن السلطة.
ولاية ترامب الأولى
في عام 2018، أمر ترامب، خلال ولايته الأولى، بشن ضربات صاروخية أمريكية على منشآت الأسلحة الكيميائية التابعة للأسد ومقاتلي داعش في سوريا.
كما أنشأت الولايات المتحدة وجودًا عسكريًا في سوريا في أوائل عام 2016 لتدريب وتقديم المشورة للقوات الكردية والعربية المتمردة التي تقاتل داعش في الأجزاء الشمالية والشرقية من البلاد.
أدى التدخل الأمريكي في الحرب الأهلية السورية، إلى جانب الضربات الصاروخية التي شنتها إسرائيل على البلاد، إلى إضعاف قوات الأسد بشدة بحلول الوقت الذي شن فيه الشرع وجماعته المتمردة هجومهم في عام 2024 والذي أطاح في النهاية بنظام الأسد.
قال واريك: "ما لم يُدركه أحد حقًا هو مدى هشاشة قوات الأسد، وهكذا بدأ هذا "الجهد المحدود" يتحول إلى انهيار جليدي يتدحرج إلى أسفل التل.. اكتسب زخمًا وقاد الشرع في النهاية إلى الاستيلاء على دمشق في غضون أسابيع".
مواجهة تحديات كبيرة
في الوقت الحالي، سيحاول الزعيم السوري الجديد إقناع القادة الغربيين والأوروبيين بأن أيامه كإرهابي قد ولت. وبفضل مساعدة أردوغان وولي العهد السعودي له في تمهيد الطريق، حاز الشرع، في غضون أشهر قليلة، على دعم وشرعية من قادة آخرين في المنطقة، بمن فيهم أمير قطر الذي زاره. ويُعتبر دفع ترامب لرفع العقوبات إنجازًا كبيرًا للشعب السوري.
لكن الشرع يواجه تحديات كبيرة، أبرزها فرض سيطرته على كامل الأراضي السورية، بالإضافة إلى الجماعات المسلحة التي ساعدته في الوصول إلى السلطة.
في ديسمبر، أفادت وكالة الأنباء العربية السورية أن اجتماعًا بين رؤساء الجماعات المتمردة والشرع "انتهى باتفاق على حل جميع الجماعات ودمجها تحت إشراف وزارة الدفاع".
إلا أن تقارير عن انتهاكات حقوق الإنسان التي يُزعم أن بعض قوات المتمردين ارتكبتها خلال القتال مع الموالين للأسد أثارت تساؤلات حول سيطرة الرئيس السوري على هذه القوات. وأعلن عن إجراء تحقيق وتعهد بمحاسبة أي شخص مسؤول عن العنف ضد المدنيين.
وبعد لقائه بالرئيس ترامب يوم الأربعاء، ألقى الشرع خطابًا متلفزًا إلى شعبه، قال فيه إن سوريا لن تكون بعد الآن ساحةً للصراعات الخارجية، ولن تسمح بعودة خطاب النظام القديم الذي قسّم بلاده. وأشار إلى أن بلاده مهتمة بالتوجه نحو بناء شراكات دولية متجذرة في السيادة والمصالح المشتركة.
خلال الخطاب، دعا المستثمرين السوريين في الخارج إلى العودة إلى البلاد والمساعدة في إعادة إعمارها، قائلاً: "لقد أصبح الأمل في سوريا الحديثة واقعًا ملموسًا"، وأشاد بقرار ترامب رفع العقوبات، واصفًا إياه بأنه "تاريخي وشجاع".
خلال اجتماع يوم الأربعاء في الرياض، المملكة العربية السعودية، مع الشرع وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وأردوغان، الذي اتصل هاتفيًا، حثّ ترامب الشرع على اتخاذ خمسة إجراءات محددة، وفقًا لبيان صادر عن البيت الأبيض حول الاجتماع.
اقرأ أيضا: الشرع: رأيت حرص السيسي على نهضة سوريا.. ومحمد بن سلمان صدق ما وعد به

شروط ترامب
تشمل الشروط التي وضعها ترامب، وفقًا للبيان، ترحيل الإرهابيين الفلسطينيين، وإصدار أوامر لجميع الإرهابيين الأجانب بمغادرة سوريا، ومساعدة الولايات المتحدة على منع عودة ظهور داعش، وتوقيع اتفاقيات إبراهيم - وهي سلسلة من الاتفاقيات أُبرمت عام 2020 لتطبيع العلاقات بين إسرائيل وعدة دول عربية.
صرح الشرع لرويترز بأنه يُجري محادثات غير مباشرة مع إسرائيل لتخفيف حدة العنف. وأضاف أن التحقيق جارٍ في الهجوم على الدروز.
صرح النائب مارلين ستوتزمان، الجمهوري عن ولاية إنديانا، الذي زار سوريا مؤخرًا والتقى بالشرع، لشبكة ABC News هذا الأسبوع، قبل أن يُقرر ترامب رفع العقوبات، بأن هذه كانت الخطوة الصحيحة لمساعدة سوريا على التعافي.
وقال ستوتزمان: "هذا وقت مهم لدعم حكومة لا تحترم حقوق الإنسان في البلاد فحسب، بل تحترم أيضًا حقوق المرأة والحقوق الدينية".
وعندما سُئل عما إذا كان يعتقد أن الشرع مهتم حقًا بتوحيد الشعب السوري، قال ستوتزمان: "آمل ذلك، وندعو الله أن يكون كذلك، نظرًا لما مر به الشعب السوري".