قانون الإيجار القديم .. بين الرفض المطلق والموافقة المشروطة

بعد أيام من الجدل تحت قبة البرلمان وفي الشارع المصري حول قانون الإيجار القديم، انقسم النواب بين مؤيدين ومعارضين بشأن التعديلات، حيث يُدافع كل منهم على رؤيته ويُطالب بأكثر من تعديل، وما بين هذا وذاك يتمسك المُلاك بآرائهم ويُدافع المستأجرين عن مطالبهم.
وشهدت الأيام القليلة الماضية عقد مجلس النواب لجلسات استماع مع المُلاك والمستأجرين، يوم الأحد والاثنين، وعرض كل منهما وجهة نظره، حيث يرغب أصحاب العقارات في فترة انتقالية لا تزيد عن 3 سنوات وتحرير العلاقة الإيجارية، فيما يُصر ممثلو المستأجرين على تنفيذ أحكام المحكمة الدستورية العليا، لينقسم معهم النواب، ما أثار حالة الغموض حول إمكانية خروج القانون إلى النور.
ويستعرض موقع "نيوز رووم" أبرز النواب المعارضين لمشروع قانون الإيجار القديم، والمؤيدين للتعديلات بشروط خلال التقرير التالي:
الطماوي يُطالب بمراجعة مشروع الحكومة
أبدى العديد من النواب معارضتهم لتعديل قانون الإيجار القديم، ويرون أنه بحاجة إلى إعادة النظر في العديد من النقاط الجوهرية، وفي مقدمتهم؛ النائب إيهاب الطماوي، عضو مجلس النواب عن حزب مستقبل وطن، الذي أكد أن الحزب يُطالب بمراجعة مشروع الحكومة بشأن الزيادات المقرر على القيمة الإيجارية خاصة السكنية.
ودعا "الطماوي" إلى إعادة النظر في فترة الخمس سنوات المحددة لتحرير العقود الإيجارية بما يحقق التوازن بين حقوق الملاك واحتياجات المستأجرين.
وشدد على أن هذه أكثر الأمور التي أثارت الغضب في الشارع، لذلك يجب التعامل معها بحذر شديد، ومراعاة البعد الاجتماعي والاقتصادي للأسر المتضررة من تطبيق القانون بصيغته الحالية.

السجيني يُطالب المُلاك والمستأجرين بتقديم المقترحات
ويؤكد المهندس أحمد السجيني، رئيس لجنة الإدارة المحلية بمجلس النواب، أن ملف الإيجار القديم يقع تحت 4 مستهدفات رئيسية، وهي؛ التوازن، العدالة، الحفاظ على الثروة العقارية وسلامة أرواح العقارات الآيلة للسقوط، مشددًا على أن الجميع يتحدث عن فترة انتقالية، إلا أن الأمر يخضع للتنظيم وفقًا للمحكمة الدستورية، كما طالب ممثلي المُلاك والمستأجرين بتقديم مقترحات ونصوص لتعديل القوانين.

محمد عبد العليم يؤكد الالتزام بحكم الدستورية
من جانبه، أكد النائب محمد عبد العليم داود، أنهم ملتزمون بتنفيذ حكم المحكمة الدستورية العليا بشأن الإيجار القديم، والذي يُطالب البرلمان بتعديل أول فقرتين من المادة 18 رقم 136 لسنة 1981، والتي تخص تحرير القيمة الإيجارية، مشددًا على أن هذا القانون شائك للغاية نظرًا لأهميته، لذلك يجب التأني في إصداره.

أبو شقة يشيد بحكم الدستورية التاريخي
فيما يرى المستشار بهاء أبو شقة، وكيل أول مجلس الشيوخ أن حكم المحكمة الدستورية تاريخي، وأن أحكام القانون لا يُعلق عليها، لافتًا إلى أن الحكم يُعتبر خطوة مهمة لتحقيق العدالة بين المُلاك والمستأجرين.
وشدد على أهمية أن يُترك للبرلمان فرصة إنهاء التعديلات بشكل عادي ويضمن استقرار العلاقة التعاقدية.

ضياء الدين يؤكد أن صياغة المشروع بها خللًا دستوريًا
إذا كان البعض يرفض نقاط محددة في القانون، فإن النائب ضياء الدين داود عضو مجلس النواب، أبدى رفضه التام لتعديلات قانون الإيجار القديم، رغم الهجوم الكبير الذي تعرض له من قبل المؤيدين.
وقال: "اللي بيهاجموني فاكرين إني هسكت عشان أخاف على صورتي.. لا يا سيدي، أنا بدافع عن ناس مالهاش صوت، وأنا مسؤول قدام ضميري وقدام ربنا، قبل ما أكون مسؤول قدام الناخبين".
وأكد "داود" خلال تصريحات لـ"نيوز رووم"، أن الصياغة الحالية لمشروعي القانونين بها خللًا دستوريًا غير مسبوق، مضيفًا: "نحن أمام سابقة أولى في تنازع أحكام المحكمة الدستورية، وهذا في حد ذاته يستحق الوقوف عنده لإعادة الدراسة والتأني في اتخاذ القرار".
وأضاف عضو مجلس النواب: "أنا مش ضد التطوير، ولا مع بقاء أوضاع غير عادلة، لكن أنا مع دولة بتحترم تاريخ ناس عايشة في بيوت من 40 و50 سنة، مش معاها بدائل، ولا تقدر تتحمل صدمات مفاجئة. الإصلاح لازم يكون عادل، وتدريجي، وإنساني، القوانين اللي بتُبني صح، بتبني دولة متماسكة.. إحنا مش في معركة بين ملاك ومستأجرين، إحنا بنبني وطن لازم يتسع للجميع".

مغاوري يرى أن مشروع القانون يُمثل انحرافًا تشريعيًا
ولا يختلف موقف النائب عاطف مغاوري، رئيس الهيئة البرلمانية لحزب التجمع بمجلس النواب كثيرًا عن "ضياء الدين"، حيث أبدى رفضه التام لمشروع قانون الإيجار القديم الذي اعتبره أنه يُمثل انحرفًا تشريعيًا خطيرًا وتهديدًا مباشرًا للسلم الاجتماعي، وأضاف: "الحكومة فشلت بجدارة في أول اختبار شعبي حقيقي".
وقال مغاوري في تصريحات خاصة لـ"نيوز رووم"، إن الحكومة لم تُكمل عامًا حتى الآن، لكنها أثبتت انحيازها الكامل لجماعات الملاك، وصاغت القانون بعين واحدة، متجاهلة الواقع المعيشي لملايين المستأجرين، وأحكام المحكمة الدستورية الصادرة عام 2002.
وأضاف: "نصوص القانون المقترح تنطوي على مخالفة صريحة للدستور وتجاهل لأحكام المحكمة الدستورية، خصوصًا المادة المتعلقة بتحرير العلاقة الإيجارية خلال خمس سنوات، وهي مادة لا تستند إلى أي سند قانوني، وإذا كانت الحكومة قد بدأت عملها بإصدار قانون لا يحترم أحكام القضاء ولا يراعي العدالة الاجتماعية، فلتتحمل مسؤوليتها السياسية كاملة.. وعليها أن ترحل".

عبد المنعم إمام يؤكد أن القانون لا يراعي التوازن
وفي موقف صريح ومختلف، أكد النائب عبد المنعم إمام رئيس حزب العدل وعضو مجلس النواب، أنه يتحدث بضمير وطني حتى وإن كان ذلك على حساب مصلحته الشخصية باعتباره من المُلاك.
وقال: أنا مش مستأجر، أنا مالك، وأوضحت كده في كلمتي في النواب، أنا أملك عندي عمارة كاملة في الغربية مؤجرة بإيجارات ضعيفة جدًا، وقيمتها السوقية مئات ملايين".
وواصل إمام في تصريحات خاصة لـ"نيوز رووم": "ومع كده، بقول رأيي بمنتهى الوضوح بأن المصلحة العامة مش معناها أطرد الناس من بيوتها، على فكرة، اللي مأجرين زمان أخدوا خلوات محترمة وقتها، وكانوا فاهمين إن الشقق دي لأولادهم وأحفادهم، مش حاجة مؤقته.. فأنا مش شايف إن الإنصاف يكون إننا نيجي فجأة نقولهم: اطلعوا بعد 5 سنين والسلام».
ووصف نصوص الحكومة المقترحة بـ"المستفزة"، قائلًا: "القانون يُناقش في توقيت حساس اجتماعيًا واقتصاديًا، ولا يراعي توازن العلاقة بين الطرفين، مشيرًا إلى أن هذا القانون ليس معمولًا لخدمة الدولة بل هو كأنه يغلق بابًا على ناس فتحوه من سنين باتفاقات عرفية وقانونية، احنا مش ضد التغيير، بس ضد التهور. الناس دي دافعت، وساكنة بقالها 40 و50 سنة، واللي مأجر لسه عايش، المشروع يعامل المستأجرين السكنيين بقسوة مقارنة بما تم تطبيقه على الأشخاص الاعتباريين سابقًا، والحكومة وضعت حدًا أقصى معقولًا وقتها، إما دلوقتي، الحكومة بتقترح 20 ضعف القيمة الإيجارية؟!".

تأييد القانون بشروط
على النقيض تمامًا، يؤيد بعض النواب قانون الإيجار القديم شريطة أن يتم تعديل بعض المواد فيه، ويأتي في المقدمة؛ النائب إيهاب منصور وكيل لجنة القوى العاملة بمجلس النواب، فعلى الرغم من ملاحظاته على مشروع القانون، ولكنه يؤكد أهميته، خاصة أن هناك مئات الآلاف من الشقق المغلقة بدون أي استخدام، محذرًا من استمرار هذا الوضع، وطالب بضرورة حسم هذا الملف تشريعيًا.
ولفت "منصور"، إلى أن هناك حوالي 420 ألف وحدة سكنية مغلقة، و95% من أصحابها لا يحتاجون إليها، في الوقت الذي تنفق فيه الدولة مليارات على مشاريع الإسكان.
وحذر من خطورة عدم إصدار قانون يُنظم العلاقة الإيجارية بين المالك والمستأجر خلال دور الانعقاد الحالي، خاصة أن التأجيل لا يخدم أحدًا، بل يضر بطرفي العلاقة "المالك والمستأجر"، ويفتح الباب أمام النزاعات القضائية.

النائب إيهاب رمزي عضو لجنة الشئون الدستورية والتشريعية بمجلس النواب، أبدى موافقته على التعديل، وقال في تصريحات خاصة لـ"نيوز رووم": "يجب إحداث حالة من التوازن في العلاقة الإيجارية بين المالك والمستأجر، وهو ما يستدعى أن تقسم الـ20 ضعف المقترحة إلى شرائح تبدأ من 1920 لـ1960 بزيادة 20 ضعف".
وتابع: "ومن 1960 إلى 1980 شريحة ثانية تُقدر الزيادة فيها بـ15 ضعف، ومن 1980 لـ1990 لشريحة ثالثة تُقدر الزيادة بـ10 أضعاف القيمة، والشريحة الرابعة تكون في الفترة من لـ1996 وتُقدر الزيادة فيها بـ5 أضعاف، ومن غير المعقول أن يتساوى من استأجر عام 1920 بالمؤجر عام 1996".

البرلمان يسعى لإنهاء القانون قبل نهاية دور الانعقاد
في السياق ذاته، أكد النائب السيد شمس الدين عضو لجنة الإدارة المحلية بمجلس النواب، أن البرلمان يعتزم إنهاء أزمة قانون الإيجار القديم قبل نهاية دور الانعقاد، وذلك تنفيذًا لحكم المحكمة الدستورية والتزامًا بالعدالة الاجتماعية، مشددًا على أن القانون بشكله الحالي لا يوجد في أي دولة في العالم سوى مصر.

يؤيد النائب عمرو درويش أمين سر لجنة الإدارة المحلية بمجلس النواب الرأي مع سابقيه، وقال إنه لا غضاضة إطلاقًا في مناقشة مشروع قانون الإيجار القديم خاصة أنه جاء اتساقًا مع حكم المحكمة الدستورية الأخير الذي صدر في نوفمبر 2024، موضحًا أن حكم الدستورية حث المشرع على اجراء التعديلات، لكنه ليس ملزمًا.
وأشار أمين سر لجنة الإدارة المحلية بمجلس النواب، إلى أن 80 % من الوحدات السكنية سواء تجاري أو إداري ضمن الإيجار القديم قابلة للحل بشكل مبسط جدًا.
وأضاف: "مجلس النواب يبحث عن العدالة في ملف الإيجار القديم، وكل ذي حق سيتصدى لحقه، والنواب يبذلون قصارى جهدهم للخروج بقانون يرضي جميع الأطراف".

القانون الحالي يمثل ظلمًا تاريخيًا
الدكتورة ألفت المزلاوي، عضوة مجلس النواب، أكدت أن قانون الإيجار القديم بصورته الحالية يمثل خللًا كبيرًا وظلمًا تاريخيًا وقع على الملاك لعشرات السنين، مشددة على ضرورة التعديل الفوري، مع ضمان أن تكون التعديلات متوازنة بين المالك والمستأجر، لكنها تنهي التشوهات القانونية التي استمرت منذ عقود.
وتُضيف في تصريحات خاصة لـ"نيوز رووم": “الجلسات التي تُعقد في البرلمان لمناقشة هذا القانون تدور في إطار حوار مجتمعي عادل، يشارك فيه كل الأطراف، وأنا الملف عن قرب وأدافع عن حق الملاك الذين تضرروا عبر سنوات طويلة.. إحنا بنتكلم عن شقق 180 متر و300 متر في أفضل المناطق، وبيدفع المستأجر إيجار شهري لا يكفي لشراء كيلو سكر، أو حتى طبق فول. فين المنطق في ده؟! الشقق دي لازم يكون إيجارها على الأقل ألف جنيه شهريًا، كحد أدنى للحياة الكريمة للمالك”.

تعديلات قانون الإيجار القديم واجبة
وقال النائب عثمان المنتصر، عضو مجلس النواب، إن تعديلات قانون الإيجار القديم واجبة، خاصة بعد حكم المحكمة الدستورية، الذي يشير إلى أن ثبات الأجرة غير دستوري، ومن ثم كانت هناك حاجة ماسة لتعديل القانون بما يتناسب مع طبيعة الوقت الحالى واتساقا مع الحكم.
ولفت المنتصر، إلى أنه ليس من الطبيعي أن تكون هناك وحدة سكنية فاخرة في أرقى الأحياء ويتم دفع 10 جنيهات إيجار شهري للوحدة، في حين أن مالك الوحدة أو أحد ورثته لا يجد وحدة سكنية، أو يؤجر وحدة يعيش فيها بألاف الجنيهات، وهو ما يتنافى مع القانون وطبيعة العقل البشري.
وشدد عضو النواب، على ضرورة ان تكون هناك دقة في مسألة خروج القانون للنور، خاصة وان هناك حالات فقيرة وغير قادرة، يتم مراعاة كل هذه الحالات لضمان تحقيق التوازن في القانون وفى نفس الوقت ضرورة أن يخرج القانون للنور خاصة وأنه من الملفات الشائكة التي عزفت كل الحكومات السابقة على الاقتراب منه مما حوله لقنبلة موقوتة تنتظر من ينزع فتيلها.

أهمية الوصول لحل نهائي
وأكد النائب أحمد مقلد عضو مجلس النواب أن البرلمان ليس لديه رفاهية عدم الوصول إلى حل بشأن مشروع قانون "الإيجار القديم"، مضيفًا: "إذا لم نصل إلى حل نهائي قبل انتهاء دور الانعقاد الحالي للبرلمان في 30 يوليو، فستحال جميع المشكلات والقضايا بين الطرفين إلى المحاكم".
وأشار إلى أن نص حكم المحكمة الدستورية أمهل مجلس النواب دخول هذا الحكم القانوني حيز التنفيذ اليوم التالي لانتهاء دورة البرلمان، مؤكدًا أن المجلس حريص على إحداث توازن بين طرفي العلاقة الإيجارية وبأي حال من الأحوال لن يرضي القانون الطرفين بنسبة 100% حيث ستكون هناك حالة من عدم الرضى التام للطرفين.
