من يستحق الشبكة في حالات فسخ الخطبة؟.. الإفتاء توضح الحكم الشرعي

مع تكرار حالات فسخ الخطبة في المجتمعات ، يثار الجدل في كل مرة حول مصير “الشبكة” التي قدّمها الخاطب لخطيبته، وهل تُعد من المهر فتكون من حق الخاطب عند الفسخ، أم تُعتبر هدية تملكها المخطوبة ولا تُرد؟
من يستحق الشبكة في حالات فسخ الخطبة؟
هذا السؤال أجابت عنه دار الإفتاء بأن جرى العرف بين الناس -وهو معتبرٌ شرعًا- على أنَّ الشبكة التي يقدمها الخاطب لمخطوبته جزء من المهر، ومن ثَمَّ فإن للخاطب الحقّ في استرداد شبكته عند فسخ الخطبة، سواء أكان العدول من الطرفين أو من أحدهما؛ لكونها جزءًا من المهر ولم يتمّ العقد، وذلك مشروط بعدم الاتفاق على كونها هدية؛ وإلا فإنها تأخذ حكم الهبة في ردِّها؛ حيث يجوز الرجوع فيها بعد قبضها إذا كانت قائمةً بذاتها ووصفها، وانتفت الموانع من الرجوع فيها، بأن لا تكون في مقابلٍ دنيوي أو أخروي، أو برًّا بين الواهب والموهوب له، أو تهلك أو تُستَهْلَك، أو يتصرف فيها الموهوبُ له تصرفًا نهائيًّا، أو يموت الواهب، أو يموتَ الموهوبُ له.ووصفها، وانتفت الموانع من الرجوع فيها، بأن لا تكون في مقابلٍ دنيوي أو أخروي، أو برًّا بين الواهب والموهوب له، أو تهلك أو تُستَهْلَك، أو يتصرف فيها الموهوبُ له تصرفًا نهائيًّا، أو يموت الواهب، أو يموتَ الموهوبُ له.
مكانة عقد الزواج في الشريعة الإسلامية
أَوْلَتِ الشريعةُ الإسلامية عقدَ الزواج مكانةً رفيعةً، واهتمامًا بالغًا، حتى سماه الله تعالى "الميثاق الغليظ"؛ إذ هو من الأُسُسِ التي تُبنَى عليها المجتمعات وتتقدم بها الأمم، فإذا صلح صلحت به، وإذا اختلّ كان نتاج ذلك أُممًا ضعيفةً وشعوبًا هائمة؛ قال تعالى: ﴿وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا﴾ [النساء: 21].
ولخصوصية عقد الزواج وأهميته وما يترتب عليه من آثار تتجاوز العاقدين إلى المجتمع كله، جعل الشرع له مقدمات، وأَوْلَاها من العناية ما أَوْلَى به عقد الزواج نَفْسَهُ، ومن هنا تواردت النصوص على أهمية الخطبة وما يتعلق بها من أحكام؛ كما قال تعالى: ﴿وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ﴾ [البقرة: 235].
وعن أبي حميدٍ الساعدي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِذَا خَطَبَ أَحَدُكُمُ امْرَأَةً، فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهَا إِذَا كَانَ إِنَّمَا يَنْظُرُ إِلَيْهَا لِخِطْبَةٍ وَإِنْ كَانَتْ لَا تَعْلَمُ» أخرجه الإمام أحمد في "المسند".
ثبوت المهر في ذمة الزوج بعقد الزواج الصحيح
الخطبة وما يلزم عنها من قراءة الفاتحة وتقديم الشبكة والهدايا كُلُّ ذلك مِن مُقدِّمات الزواج ومِن قَبيل الوعد به ما دام عقد الزواج لم يتم بأركانه وشروطه الشرعية، فإذا عَدَلَ أحدُ الطرفين عن عزمه ولَم يتم العقدُ؛ فالمُقرَّر شرعًا أنَّ المَهر إنما يثبت في ذمة الزوج بعقد الزواج الصحيح؛ لأنه أثرٌ من آثاره، يثبت كاملًا بالدخول أو الخلوة الصحيحة، وينتصفُ قبل الدخول، فإن لَم يتم فلا تَستَحِقُّ المخطوبة مِنه شيئًا، وللخاطب استِردَادُه.
قال العلامة الملا خسرو الحنفي في "درر الحكام" (1/ 348، ط. دار إحياء الكتب العربية): [خَطَبَ بنتَ رجلٍ وبَعَثَ إليها شيئًا ولم يزوِّجْها أبوها؟ فما بعث للمهر يسترد) إن عينه (قائمًا) وإن تغير بالاستعمال؛ لأنه مسلَّط عليه من قبل المالك فلا يلزم في مقابلة ما انتقص باستعماله شيء، (أو) قيمته إن (هالكًا)؛ لأنه معاوضة ولم تتم فجاز الاسترداد] اهـ.
وقال القاضي عبد الوهاب المالكي في "التلقين "(1/ 115، ط. دار الكتب العلمية): [والصداق واجبٌ بالعقد والتسمية، ويستقر وجوبه بالدخول فيؤمن سقوطه، وما لم يكن دخول فهو معرضٌ لأن يسقط نصفُهُ بطلاقٍ، أو جميعُهُ بما يكون من جهة المرأة] اهـ.
وقال شيخ الإسلام ابن حجر الهيتمي الشافعي في "تحفة المحتاج" (7/ 421-422، ط. المكتبة التجارية الكبرى): [خطب امرأةً ثم أرسل أو دفع بلا لفظٍ إليها مالًا قبل العقد؛ أي: ولم يقصد التبرع، ثم وقع الإعراض منها أو منه: رجع بما وصلها منه؛ كما أفاده كلام البغوي، واعتمده الأذرعي، ونقله الزركشي وغيره عن الرافعي، أي اقتضاء يقرب من الصريح، وعبارة "قواعده": خطب امرأةً فأجابته، فحمل إليهم هدية، ثم لم ينكحها: رجع بما ساقه إليها؛ لأنه ساقه بناءً على إنكاحه ولم يحصل؛ ذكره الرافعي في الصداق] اهـ.
وقال الإمام المرداوي الحنبلي في "الإنصاف" (8/ 296، ط. دار إحياء التراث العربي): [قال الشيخ تقي الدين رحمه الله أيضًا: ما قبض بسبب النكاح فكمهر.. فإن كان دفع إليها بعض المهر ولم يدخل بها؛ يَرُدُّوهُ] اهـ.
مقتضى ذلك: أنَّ الشبكة التي يقَدِّمها الخاطبُ لمخطوبته جزءٌ مِن المَهر، وهذا ما جرى به العرف واستقر عليه العمل؛ حيث إن الناس يَتفقون عليها في الزواج بتحديد وصفها وسعرها أو وزنها على جهة الالتزام بها في مقابل الزواج لا غير ذلك، وهذا يُخرِجُها عن دائرة الهدايا ويُلحِقُها بالمَهر.
وقد جرى اعتبارُ العُرفِ في التشريع الإسلامي؛ فقال تعالى: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ﴾ [الأعراف: 199].
وجاء في الأثر عن ابن مسعودٍ رضي الله عنه: "مَا رَأَى الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللهِ حَسَنٌ، وَمَا رَأَوْا سَيِّئًا فَهُوَ عِنْدَ اللهِ سَيِّئٌ" أخرجه الإمام أحمد والطيالسي في "مسنديهما".
قال العلامة الواحدي في "التفسير الوسيط" (2/ 437، ط. دار الكتب العلمية): [العرف، والعارفة، والمعروف: ما يَعرف كلُّ أحدٍ صوابَهُ وتَستحسنُهُ النُّفُوس] اهـ.
وقال العلامة ابن الفَرَس [ت: 597هـ] في"أحكام القرآن" (3/ 62، ط. دار ابن حزم): [المعنى: واقضِ فيه بكل ما عرفته النفوس مما لا يَرُدُّهُ الشرع.. فالعرف متردِّدٌ بين أن يُرَادَ به أفعالُ الخير، وبين أن يُرَادَ به العوائدُ الجاريةُ بين الناس مما لا يَرُدُّهَا الشرع] اهـ.
وقال الإمام الزركشي في " تشنيف المسامع" (3/ 472، ط. مكتبة قرطبة): [وقال ابن ظفر في "الينبوع": ما عرفته العقلاءُ أنه حسنٌ وأقرهم الشارع عليه؛ فمنه الرجوع إلى العرفِ والعادةِ في معرفة أسباب الأحكام من الصفات الإضافية؛ كصغر صبية وكبرها.. وكُفْءِ نكاحٍ، وتهيُّؤ زفافٍ] اهـ.
وهذا كُلُّهُ ما لم يتم الاتفاق على أنها هدية من الخاطب للمخطوبة قصدًا لحصول الوُدِّ وتحريًا لِأَنْ يُؤْدَم بينهما، من غير أن يكون لذلك مقابلٌ أو صلةٌ بمهرها الذي يتم الاتفاق عليه استقلالًا، فتأخذ حينئذٍ حكم الهبة في ردِّها؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «المُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ» أخرجه البخاري معلقًا، ووصله الحافظ ابن حجر العسقلاني في " فتح الباري" (4/ 451، ط. دار المعرفة).