أعلنوا النكاح وأخفوا الخطبة .. "دار الإفتاء" توضح مقاصد إشهار الزواج

تعد مسألة إخفاء الخطبة من القضايا التي قد تثير التساؤلات في العديد من المجتمعات، خاصة في ظل التطورات الاجتماعية الحديثة، ففي بعض الأحيان، يختار أحد الطرفين أو كلاهما إخفاء خطبتهما عن الأهل أو الأقارب، مما يثير تساؤلات حول حكم هذا الفعل في الشريعة الإسلامية
1. حكم إخفاء الخطبة في الشريعة الإسلامية
من حيث المبدأ، لا يوجد في الشريعة الإسلامية نص صريح يحرم إخفاء الخطبة، ولكن المبدأ العام في الإسلام يدعو إلى الشفافية والإشهار في الأمور المتعلقة بالعلاقات الأسرية والاجتماعية، خاصة إذا كانت تتعلق بالزواج. ومن خلال الفهم العام للمصادر الشرعية، يمكن استخلاص أن الإعلان عن الخطبة هو الأفضل، بل يُستحب.
2. أدلة الشرع على ضرورة الإعلان عن الخطبة
يستند العلماء إلى عدة أدلة شرعية تدعو إلى الإعلان عن الخطبة وعدم إخفائها:
• إشهار الزواج: في الحديث النبوي الشريف، قال النبي صلى الله عليه وسلم: “أعلنوا النكاح، وأخفوا الخطبة” (رواه ابن ماجه). هذا الحديث يوضح أن الزواج يجب أن يُعلن عنه ليتمكن الجميع من معرفة الأمر وتجنب الشائعات أو الأفكار غير الصحيحة. وهذا يستدعي أن تكون الخطبة أيضًا معلنة، على الأقل للأهل والمقربين.
• الشفافية والصدق: في الإسلام، يُشدد على ضرورة الصدق والتواصل الصريح بين الزوجين وأسرهم. قال الله تعالى في كتابه الكريم: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ” (الأنفال: 27). بناءً على هذا، يُعد إخفاء الخطبة عن الأهل نوعًا من الخيانة إذا كان يتم عن عمد دون مبرر شرعي
رأي دار الإفتاء في إخفاء الخطبة
إعلان الخطبة، يُعتبر من الأمور المستحبة في الإسلام، ولكن لا يُشترط إعلانه علنًا للجميع في جميع الحالات. يُستحب إعلان الخطبة للمقربين مثل الأهل والأصدقاء في إطار الحفاظ على الشفافية والصدق بين الطرفين، وتعزيز الثقة بين العائلة والمجتمع.
• الإشهار: يقال في بعض الفتاوى أن الخطبة ليست عقد زواج كامل، بل هي بمثابة وعد للزواج، ولذلك يجب على المسلم أن يُعلن عنها لمن يهمهم الأمر في المجتمع، وخاصة الأسرة والأقارب، لأن الإشهار في الإسلام له دور مهم في تجنب الشائعات والشكوك التي قد تضر بعلاقة الطرفين.
• الظروف الاستثنائية: في بعض الحالات التي تتطلب تأجيل الإعلان عن الخطبة، يمكن أن يكون إخفاؤها مبررًا. مثلًا، إذا كانت هناك مشاكل عائلية قد تنشأ نتيجة الإعلان المبكر عن الخطبة، أو إذا كان هناك خِلافات قد تؤثر على القرار.
الحالات التي يجوز فيها إخفاء الخطبة
أكدت دار الإفتاء في فتاويها أن إخفاء الخطبة يجوز في بعض الحالات الخاصة:
• الخوف من تدخلات غير مرغوب فيها: قد يُفضل بعض الأفراد إخفاء خطبتهم إذا كانوا يخشون التدخلات المزعجة من الأهل أو الأقارب التي قد تفسد العلاقة، وتعيق اتخاذ القرارات بحرية.
• الظروف الاجتماعية أو العائلية: في بعض الأحيان قد يواجه البعض رفضًا أو اعتراضات شديدة من بعض أفراد الأسرة على الشخص الذي تم اختياره للزواج. في هذه الحالات، قد يتم إخفاء الخطبة مؤقتًا لحين تهيئة الظروف المناسبة أو لحل المشاكل العائلية.
• الوقت المناسب للإعلان: في بعض الحالات قد يكون الشخصان غير جاهزين بعد للحديث عن الخطبة علنًا بسبب الحاجة إلى الوقت لمناقشة تفاصيل الزواج بشكل أعمق، أو انتظار توجيه الأمور إلى التوافق الكامل بين الأطراف المعنية.
آثار إخفاء الخطبة على العلاقات الاجتماعية
دعت دار الإفتاء إلى أن إخفاء الخطبة على المدى الطويل قد يُسبب بعض الآثار السلبية في العلاقات الاجتماعية، مثل:
• الضرر بالعلاقة الأسرية: إذا اكتشف الأهل أن هناك خطبة قد تم إخفاؤها لفترة طويلة، قد يؤدي ذلك إلى شعورهم بالخذلان أو فقدان الثقة.
• تفاقم الخلافات: إخفاء الخطبة قد يُسبب توترات بين الأسر المختلفة بسبب سوء الفهم أو الغموض الذي يحيط بالعلاقة، مما قد يؤدي إلى تفاقم الخلافات.
خلاصة رأي دار الإفتاء
بناءً على فتاوى دار الإفتاء، يُفضل الإعلان عن الخطبة بشرط أن يكون في الوقت المناسب وبما يتناسب مع الظروف الاجتماعية، كما أن إخفاء الخطبة قد يكون جائزًا في حالات خاصة، مثل المشاكل العائلية أو الضغوط الاجتماعية. ومع ذلك، ينبغي أن يتم ذلك بحذر، لأنه إذا كان الإخفاء يؤدي إلى تأثيرات سلبية على العلاقات بين الأهل والمجتمع، فإن الأفضل هو التعامل بشفافية.
وفي النهاية، يُستحب في الإسلام أن تكون العلاقة بين الطرفين وأسرهم مبنية على الوضوح والصراحة من أجل تجنب أية مشاعر سلبية أو متاعب قد تنتج عن الغموض أو السرية المفرطة.