عاجل

ما حكم الجمع بين الصلوات للمرأة المرضع؟.. الإفتاء تجيب

الصلاه
الصلاه

في ظل ما تعانيه الأمهات المرضعات من مشقة في أداء العبادات في أوقاتها، خاصة مع مسؤوليات الرضاعة ورعاية الأطفال، برز تساؤل ديني جديد تصدر مواقع التواصل الاجتماعي: هل يجوز للمرضع الجمع بين الصلوات؟ 

رأي دار الإفتاء في المسألة  

بأن الأصل أن تؤدى الصلوات المفروضة في أوقاتها المحددة لها شرعًا، فإذا كانت هناك أعذار تبيح تأخير الصلاة عن أول وقتها فلا مانع شرعًا من أداء الصلاة في أي وقت من وقتها المحدد لها شرعًا، وبخصوص المرأة التي تُرضع وتلحقها مشقة في تطهير ثيابها من تنجسها ببول الصغيرة التي ترضعها أو تغييرها عند كل صلاة فإنه يجوز لها أن تجمع بين الصلاتين -الظهر والعصر أو المغرب والعشاء- جمعًا صوريًّا، بأن تُصلِّيَ الأولى في آخر وقتها والثانية في أول وقتها، فإن شقَّ عليها وتعذر عليها ذلك تمامًا، فلها حينئذ أن تجمع بين الصلاتين بلا قصر، فتصلي الظهر والعصر والعشاء أربع ركعات دون نقصان.

مقاصد الشرع الشريف في جعل لكل صلاة وقت ابتداء ووقت نهاية


من المقرر أن للصلاة المفروضة أوقاتًا محددة لا بد أن تؤدى فيها؛ لقوله تعالى: ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا﴾ [النساء: 103]، وقوله ﴿مَوْقُوتًا﴾ أي مفروضًا ومؤقتًا بوقت محدد، ومن يسر الإسلام وسماحته وتخفيفه أن جعل للصلاة وقتًا تؤدى فيه وجعل له بدءًا ونهاية، وما بينهما وقت لأداء الصلاة، فإذا كانت هناك أعذار تبيح تأخير الصلاة عن أول وقتها فلا مانع شرعًا من أداء الصلاة في أي وقت من وقتها المحدد لها شرعًا.

والشريعة مبناها على التخفيف والتيسير على المكلفين ورفع الحرج والمشقة عنهم، قال الله تعالى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ [البقرة: 185]، وعن أبي أُمامة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «بُعِثْتُ بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ» رواه الإمام أحمد.

ومقصد الشرع من وراء ذلك ترغيب الناس في المداومة على الإتيان بالتكاليف دون انقطاع عنها بلا مشقة أو تقصير في أدائها.

يقول الإمام الشاطبي في "الموافقات" في بيان حكمة رفع الحرج عن المكلفين : [فاعلم أن الحرج مرفوع عن المكلف لوجهين: أحدهما: الخوف من الانقطاع من الطريق، وبغض العبادة، وكراهة التكليف، وينتظم تحت هذا المعنى الخوف من إدخال الفساد عليه في جسمه أو عقله أو ماله أو حاله. والثاني: خوف التقصير عند مزاحمة الوظائف المتعلقة بالعبد المختلفة الأنواع، مثل قيامه على أهله وولده، إلى تكاليف أخر تأتي في الطريق، فربما كان التوغل في بعض الأعمال شاغلًا عنها، وقاطعًا بالمكلف دونها، وربما أراد الحمل للطرفين على المبالغة في الاستقصاء، فانقطع عنهما] اهـ.

حكم الجمع بين الصلوات للمرأة التي تُرضع وتلحقها مشقة في تطهير ثيابها


المرأة التي تُرضع وتلحقها مشقة في تطهير ثيابها، من تنجسها ببول الصغيرة التي ترضعها، وهي تريد المحافظة على صلاتها، ففي الشرع ما يرفع عنها هذا الحرج مما جاء من توسعة في مذاهب الفقهاء المعتبرة، وبيان ذلك كما يأتي على الترتيب:

أولًا: أن لها أن تجمع جمعًا صوريًّا، كما قرر فقهاء الحنفية والمالكية والشافعية، وذلك بأن تُصلِّيَ الأولى في آخر وقتها والثانية في أول الوقت.

قال الإمام أبو بكر الجصاص الحنفي في "شرح مختصر الطحاوي" : [مسألةٌ: لا يجوز الجمع بين الصلاتين في غير عرفة والمزدلفة إلا جمعًا صوريًّا. قال أبو جعفر: (والجمع بين الصلاتين في الحضر والسفر للمريض أن يصلي الظهر في آخر وقتها، والعصر في أول وقتها، وكذلك المغرب والعشاء، ولا تجمعان في وقت إحداهما إلا بعرفة وجمع). قال أبو بكر أحمد: الأصل في ذلك قول الله تعالى: ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا﴾: يعني فرضًا مُؤقَّتًا] اهـ.

ثانيًا: أنَّ الجمع بين الصلوات بلا قصر يجوز للحاجة، كما هو منقول عن بعض العلماء ومنهم بعض فقهاء الشافعية والحنابلة، والمرضع محتاجة لذلك؛ للمشقة التي تلحق بها.

ودليل جواز الجمع هنا: حديث ابن عباس رضي الله عنهما، قَالَ: «صَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا بِالْمَدِينَةِ، فِي غَيْرِ خَوْفٍ، وَلَا سَفَرٍ»، وفي روايةٍ قَالَ: «جَمَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِالْمَدِينَةِ، فِي غَيْرِ خَوْفٍ، وَلَا مَطَرٍ» رواهما مسلم.

قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في "فتح الباري" : [وقد ذهب جماعة من الأئمة إلى الأخذ بظاهر هذا الحديث فجوزوا الجمع في الحضر للحاجة مطلقًا... وممن قال به: ابن سيرين وربيعة وأشهب وابن المنذر والقفال الكبير، وحكاه الخطابي عن جماعة من أصحاب الحديث] اهـ.

تم نسخ الرابط