"مش نايم ولا صاحي".. دراسة حديثة تكشف عن حالة جديدة من الوعي..تفاصيل

في دراسة حديثة نشرت في دورية Journal of Neuroscience، تم الكشف عن اكتشاف مذهل يغير المفاهيم القديمة حول الأحلام الواعية، حيث أظهرت النتائج أن هذه الحالة لا تعتبر مجرد نوع أكثر وضوحًا من الأحلام التي تحدث أثناء النوم، بل هي حالة وعي مستقلة تمامًا، تختلف عن جميع حالات الوعي التقليدية مثل اليقظة والنوم العادي. هذا الاكتشاف يمثل خطوة هامة نحو فهم أعمق للدماغ البشري، ويثير تساؤلات حول كيفية تصنيف وتفسير الوعي البشري على مدار أنماط مختلفة من الحياة اليومية والنوم.
ما هي الأحلام الواعية؟
الأحلام الواعية، أو ما يُسمى بـ "Lucid Dreaming"، هي حالة من الوعي يعيشها الشخص أثناء نومه حيث يُدرك أنه في حالة حلم. في هذا النوع من الأحلام، يتمكن الشخص من التحكم بمسار الحلم، بل ويستطيع توجيه أحداثه وفقًا لإرادته. على سبيل المثال، قد يتمكن الشخص في حلمه من الطيران، أو مواجهة مخاوفه بشكل واعٍ، أو حتى تعديل البيئة التي يراها حوله. هذا الوعي داخل الحلم كان يُعتقد سابقًا أنه يحدث فقط أثناء مرحلة حركة العين السريعة (REM)، وهي المرحلة التي يزداد فيها نشاط الدماغ ويُتوقع أن تكون مرتبطة بالأحلام العادية. ولكن نتائج الدراسة الأخيرة قد أظهرت أن الأحلام الواعية تختلف تمامًا في النشاط الدماغي عن الأحلام التقليدية وأيضًا عن حالة اليقظة.
نتائج الدراسة: أنماط دماغية جديدة
اعتمد الباحثون في هذه الدراسة على تحليل مفصل لنشاط الدماغ باستخدام تقنيات قياس متطورة، وتمكنوا من اكتشاف أن نمط النشاط الدماغي خلال الأحلام الواعية يختلف بشكل جذري عن النشاط الذي يحدث أثناء الأحلام العادية أو حتى أثناء حالة اليقظة. وقد أظهرت النتائج انخفاضًا في موجات "بيتا"، وهي الموجات التي ترتبط بالوعي والتنبه، في منطقتين من الدماغ مسؤولتين عن الإدراك المكاني والإحساس بالذات. من ناحية أخرى، تم تسجيل زيادة ملحوظة في موجات "غاما"، المرتبطة بالتركيز العالي والوعي الذاتي، في القشرة الجبهية الأمامية الوسطى، وهي المنطقة المسؤولة عن التفكير الذاتي والتحكم المعرفي. وهذا الاكتشاف يعكس أن الدماغ في حالة الحلم الواعي قد يمر بحالة "وعي متقدمة" تختلف بشكل كبير عن أي حالة أخرى.
النتائج وتأثيرها على الفهم التقليدي للوعي
أوضح الباحث الرئيسي في الدراسة، "تشاغاتاي ديميريل" من المركز الطبي بجامعة رادبود الهولندية، أن هذه النتائج تفتح أفقًا جديدًا لفهم الأحلام الواعية كحالة وعي معقدة وفريدة من نوعها. وقال ديميريل إن هذا البحث يثير تساؤلات حول كيفية تصنيف وتفسير الوعي بين النوم واليقظة، ويؤكد على أن الأحلام الواعية ليست مجرد مرحلة من مراحل النوم، بل هي حالة وعي مستقلة ومتميزة.
أساليب البحث والمنهجية: دراسة موسعة
اعتمد الباحثون على قاعدة بيانات واسعة تضم مجموعة كبيرة من الدراسات السابقة التي تم فيها قياس نشاط الدماغ باستخدام أجهزة EEG. وتم مقارنة أنماط النشاط الدماغي في حالات اليقظة، النوم العادي، والأحلام الواعية. كما تم تحليل مجموعة من التجارب التي شارك فيها أشخاص معروف عنهم قدرتهم على تجربة الأحلام الواعية بشكل متكرر. هذا التحليل سمح للباحثين بتحديد الفروق الدقيقة بين النشاط الدماغي أثناء الأحلام الواعية وبين الحالات الأخرى.
تشابه الأحلام الواعية مع تأثيرات المخدرات النفسية
اللافت للنظر أن نمط النشاط الدماغي الذي تم رصده أثناء الأحلام الواعية يشبه بشكل مذهل الأنماط المرتبطة بتأثيرات العقاقير النفسية، مثل LSD وآياهواسكا. على الرغم من أن هذه العقاقير تؤدي في الغالب إلى تلاشي الإحساس بالذات وضبابية الوعي، إلا أن الأحلام الواعية تظهر زيادة ملحوظة في الإدراك الذاتي والقدرة على التحكم، مما يشير إلى أن الدماغ في هذه الحالة يعمل بطريقة مشابهة للمخدرات النفسية ولكن مع خصائص فريدة. وهذا الاكتشاف يثير العديد من التساؤلات حول كيفية تأثير الدماغ على الوعي الذاتي والتحكم الشخصي أثناء الحلم.
تقنيات تحفيز الأحلام الواعية: طرق للممارسة
على الرغم من أن الأحلام الواعية قد تحدث بشكل عفوي لبعض الأشخاص، إلا أن الباحثين وجدوا طرقًا يمكن أن تساعد في تحفيزها بشكل متعمد. إحدى التقنيات الأكثر شيوعًا هي تقنية "التحريض التذكيري للأحلام الواعية" (MILD). هذه التقنية تعتمد على استذكار تفاصيل الحلم فور الاستيقاظ من النوم، ومن ثم تكرار عبارة تحفيزية مثل: "عندما أبدأ في الحلم، سأتذكر أنني أحلم"، ثم العودة للنوم. أظهرت الدراسات أن هذه التقنية قد تزيد من فرص الحلم الواعي بنسبة تصل إلى 20%، مما يجعلها أسلوبًا مفيدًا للذين يرغبون في استكشاف هذه الحالة من الوعي.
إعادة التفكير في مفهوم الوعي البشري
إن هذه الدراسة تسهم بشكل كبير في تغيير فهمنا لماهية الوعي البشري، ويبدو أن الأحلام الواعية يمكن أن تكون حالة وسيطة بين النوم واليقظة، تحمل في طياتها إمكانيات جديدة لفهم الدماغ البشري وكيفية عمله في حالاته المختلفة. هذا الاكتشاف قد يفتح أفقًا جديدًا في الدراسات المستقبلية حول تأثيرات الأحلام على الصحة النفسية، وكيف يمكن للأفراد استغلال هذه الظاهرة بشكل إيجابي لتحسين حياتهم اليومية وزيادة الوعي الذاتي والتحكم العقلي.