جدل جديد.. الفقه الإسلامي قادر على استيعاب المستجدات أم يحتاج التطور؟

هل تؤمن بأن الفقه الإسلامي قادر على استيعاب المستجدات التي تحدث في العصر الراهن مقارنة ببدايته في القرون الماضية؟ سؤال أثار جدلًا جديدًا، فهل نحن بحاجة لفقه جديد؟
هل نحتاج لفقه جديد؟
ياسر العديرقاوي الباحث في علوم الشريعة الإسلامية، في حديثه لبرنامج يتفكرون على شاشة العربية قال إن الفقه الحالي لا يستطيع أن يواكب العصر لأنه في الانفجار الذي يحدث في البشرية لا يمكن أن يستوعب بنفس واقع القرن السابع الذي تضخم فيه الفقه الإسلامي.
هناك قاعدة من لا يتجدد يتبدد ومن لا يتطور يتدهور، ومن لا يتقدم يتقادم، التغيير هو سنة الحياة، الفقه الذي أنتج فيه لا يواكب من عام 2000 إلى الآن بتوسعه ودخول الوسائط والشبكة العنكبوتية، أكبر بكثير من ألف سنة مضت، يجب أن يعاد من الأصول، فنحن بحاجة إلى فقه جديد.
في المقابل قال الدكتور محمد عباس المغني أستاذ ورئيس قسم الدعوة بجامعة الأزهر، إن الفقه الإسلامي هو ثروة فقهية لمجموعة من الفقهاء في عصورهم، امتدت هذه الثروة على مدى ما يزيد عن 14 قرنا ويدل على صلاحية هذا الفقه لزماننا وواقعنا أنه متطور ومتجدد، لم نرى بين الفقهاء فقهًا جامدًا بل متحررًا ومتطورًا.
من الفقهاء من تطور مع الزمان ومن أمثلة ذلك الإمام الشافعي في العراق والإمام الشافعي في مصر، فدرس الفقه على مذهب الإمام مالك والإمام أبو حنيفة، فلم يجمد.
تحذير الشريعة الإسلامية من التشدد
فيما قالت دار الإفتاء إن شريعة الإسلام جاءت بالرفق والرحمة والهداية إلى الصراط المستقيم، وكان من أهم مقاصدها رفع المشقة والحرج عن الناس؛ قال الحق تبارك وتعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: 107]، وقال سبحانه: ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ﴾ [الأعراف: 157].
وقال جلَّ شأنه: ﴿مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [المائدة: 6]، ولهذا فإنَّ التشدد في الدين أمر مذموم؛ لأنه يتنافى مع مقاصد الشريعة السمحة ومع ما جاء في نصوصها الصريحة الدالة على أنَّ مدار التكليف هو التيسير والتخفيف والمقاربة قدر استطاعة المُكلَّف.
روى البخاري في "صحيحه" عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا، وَأَبْشِرُوا، وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَيْءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ».
وروى أحمد في "مسنده" عن محجن بن الأدرع رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «إِنَّكُمْ أُمَّةٌ أُرِيدَ بِكُمُ الْيُسْرُ»؛ يقول الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (1/ 94-95، ط. دار المعرفة-بيروت): [وفي حديث محجن بن الأدرع عند أحمد: «إِنَّكُمْ لَنْ تَنَالُوا هَذَا الأَمْرَ بِالمُغَالَبَةِ» و«خَيْر دِينِكُمُ اليَسَرَة»، وقد يستفاد من هذا الإشارة إلى الأخذ بالرخصة الشرعية؛ فإنَّ الأخذ بالعزيمة في موضع الرخصة تنطّع، كمَن يترك التيمم عند العجز عن استعمال الماء فيفضي به استعماله إلى حصول الضرر] اهـ.
والتشدّد في غير موضع التشديد يُعَدُّ من التنطع المذموم شرعًا، فما جعل الله فيه سعة ومجالًا لاختلاف العلماء وتعدّد اجتهاداتهم لا يكون موضعًا للتشديد والإنكار، ولهذا تقرّر في قواعد الفقه أنه: "لا ينكر المختلف فيه، وإنما ينكر المجمع عليه". يُنْظر: "الأشباه والنظائر" للإمام السيوطي (ص: 158، ط. دار الكتب العلمية).