رمضان الصاوي : الأزهر قوة مصر الناعمة .. ويرسخ منهج الوسطية المعتدل في الطلاب

أكَّد الدكتور رمضان عبد الله الصاوي، نائب رئيس جامعة الأزهر للوجه البحري، خلال كلمته بمؤتمر كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بالسادات «البحث العلمي في الدراسات الإسلامية والعربية بين مشكلات الواقع وآفاق التطوير»؛ أن البحث العلمي في الدراسات الإسلامية قديم قدم هذا الدِّين؛ فالآيات القرآنية لا تقف عند حد المعنى الظاهري منها؛ بل طلب الله البحث والتدقيق والوصول إلى كل ما يفيد البشرية في حياتهم ومعادهم، فقال الله تعالى: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ۗ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾، وقال عز وجل أيضًا: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا﴾، وقال سبحانه: ﴿وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ﴾.
المنهج الأزهري الوسطي المعتدل
وأشار نائب رئيس الجامعة إلى أن العلوم كانت مسائل متناثرة، حتى جاء القرن الثاني الهجري وما بعده فقام فقهاؤه وعلماؤه بالنظر في كل علم من حيث وضع أسسه وأركانه وقواعده، فأصلت بذلك العلوم، ثم جاء عصر تالٍ لهذا العصر فوضعت المتون النافعة، حتى غدا لكل تخصص من العلوم فرسانه ورواده وشيوخه من المحسنين الذين جاءوا من بعدهم، فكان همهم إيضاح كلام أئمتهم وتوصيله للناس دون عنت أو عناء.

وأوضح نائب رئيس الجامعة أن الفكر جمد لفترة من الزمان أشيع فيه بين الناس أن العلوم قد كملت، وأن باب الاجتهاد قد أغلق، وأنه لن يأتي أحد بمثل ما أتي به الأولون، وقد نتج عن ذلك بعض المشكلات التي يمكن إجمالها في الآتي:
أولًا: إشكالية الخلط بين الشريعة كنصوص والفقه كاستنباط علماء واجتهاداتهم في النصوص، فالنصوص من الكتاب والسنة لها قدسيتها، ويدور الناس حولها اجتهادًا واستنباطًا وشرحًا، أما إعطاء القدسية نفسها لاجتهادات الفقهاء السابقين واللجوء للتقليد بعيدًا عن الاجتهاد وتغير الفتوى بتغير المكان والزمان والحادثة والشخص؛ لبَّس على كثير من الناس، فالاجتهادات البشرية ليست معصومة ولا في منزلة النصوص الشرعية، والخلط بينهما سيؤدي إلى تأليه البشر وتقديس العقل الإنساني.
الأزهر هو القوى الناعمة لمصر على مستوى العالم
وشدد نائب رئيس الجامعة على أن الشريعة نصوص مقدسة، وأما الاستنباط حولها فهي اجتهادات بشرية للفقهاء والأصوليين والمفسرين والمحدثين والنحاة وأهل اللغة، فهي معارف بشرية، وهي مجموعها تسمى تراث المسلمين، ولا يمكن الخلط بين الشريعة وما نشأ حولها من دراسات واجتهادات.
ثانيًا: إشكالات خاصة بالمشتغلين بالدراسات الإسلامية والعربية وهذه يمكن إجمالها في الآتي:
-القدرة والكفاءة العلمية، فالعالم المتمكن والباحث الجيد صاحب الاطلاع والثقافة الواسعة الذي لديه القدرة على الابتكار والتجديد والتطوير؛ هو بصدد تشييد بناء محكم تتوافر فيه أسباب البقاء لفترة من الزمن، أما خلاف ذلك فإن نتاج الجهل يشكل عائقًا كبيرًا ليس فقط له، ولكن للأمة بأسرها.
-عدم الموضوعية في الاتفاق أو الاختلاف مع فكرة؛ فإن كثيرًا من الباحثين يشغل نفسه بنقض أفكار شيدها الآخرون، فيتعب نفسه في النقد أكثر مما يشغل نفسه بالبناء، وغالبًا هذه الانتقادات ترجع للانتصار للنفس قبل مراعاة الحيدة والموضوعية، وهذا من أهم الحجب عن التجديد والتطوير البحثي.
-الحكم المسبق على الأشياء قبل المناقشة الموضوعية، وهذه تأتي مما تراكم لدى الشخص من ثقافة يضعها في حكم المسلمات، ثم يبني عليها بما يتناسب وفكرته المسبقة بما يجعله يحيد عن الموضوعية والإنصاف، كما حكى القرآن عن المشركين الذين وضعوا في مخيلاتهم أن الرسول ينبغي أن يكون فوق البشر، فقال تعالى: ﴿وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا * أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا﴾.
- عدم التناسب بين طرح الأفكار والجمهور المتلقي لها؛ وهذا يحدث أحيانًا فيكون عائقًا بين وضوح الفكرة والإيمان بها؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «خاطبوا الناس على قدر عقولهم أتريدون أن يكذب الله ورسوله» فبساطة طرح الفكرة واختيار الأسلوب الأمثل لتوصيلها أدعى إلى فهمها من الجمهور وتقبلها بعد ذلك من كثير منهم، أما استخدام اللفظ غير المناسب والأسلوب الذي لا يناسب الجمهور فقد يكونان عائقًا بين وضوح الفكرة والإيمان بها؛ فقد رأى أحد الملوك رؤيا فقصها على أحد المعبِّرين فبشره بأن جميع أهله سيموتون قبله فقتله، ثم طرحها على آخر فقال له: أنت أطول أهلك عمرًا، فأعطاه عطية ثمينة، وكلا التعبيرين واحد لكن اختيار الألفاظ وانتقائها هو المختلف.
وتناول نائب رئيس الجامعة آفاق التطوير المقترحة من الأزهر الشريف كمؤسسة علمية، مشيرًا إلى أن مؤسسة الأزهر الشريف لها ثقل علمي ودعوي وقوة ناعمة لمصر، والأزهر الشريف صاحب كلمة مسموعة في شتى أرجاء الأرض، وله أنشطته العلمية والدعوية،د؛ حيث يقدم الأفكار والرؤى والمقترحات المهمة والتوصيات الملهمة التي تسهم في حل القضايا الشائكة التي تؤرق المجتمع.

كما بيَّن أن كل هذه الإسهامات ترسخ دور الأزهر الشريف في المجتمع؛ حيث أكد فضيلته أن مؤسسة الأزهر الشريف شددت على أن إغفال المجتمعات للجانب الروحي أدى لظهور الإلحاد والتفكك الأسري.
كما نبه الأزهر الشريف إلى أن إصلاح حال البحث العلمي يبدأ من الانطلاق في قاعدة التعدد في استيفاء العلم، حيث يرفض الأزهر الشريف الانغلاق على مشرب ثقافي واحد، كما أشار الأزهر الشريف إلى غلق الطريق أمام تصدر غير المؤهلين للفتوى وأصحاب الفتاوى الزائفة والشاذة على القنوات الفضائية ووسائل التواصل؛ وذلك بالقيام بدوره في إعداد المفتيين والدارسين تحت إشرافه مباشرة أو عبر وسائل التقنيات الحديثة.
وأضاف نائب رئيس الجامعة أن الأزهر الشريف شدد على ترسيخ منهج الوسطية الأزهري المعتدل للطلاب والدارسين، وهكذا تجد كل قضية مستجدة للأزهر الشريف فيها قصب السبق ودور فاعل، موضحًا أن هذا المؤتمر يعكس تفاعل جامعة الأزهر مع كل القضايا العلمية والوطنية والدينية.