مستشارة الأزهر لشؤون الوافدين: الإسلام يعزز التعايش بين الأديان والثقافات

ألقت الدكتورة نهلة الصعيدي، مستشارة شيخ الأزهر لشؤون الوافدين ورئيسة مركز تطوير تعليم الطلاب الوافدين والأجانب، كلمة هامة في فعاليات المؤتمر الدولي بعنوان "الإسلام في آسيا الوسطى وكازاخستان: الجذور التاريخية والتحولات المعاصرة"، والذي نظمته الجامعة المصرية للثقافة الإسلامية «نور مبارك»، بالتعاون مع الإدارة الدينية لمسلمي كازاخستان في مدينة ألماتي.
التنوع البشري آيةً من آيات الخالق
وأشارت د. نهلة في كلمتها إلى أن الإسلام يحمل رسالة عالمية تدعو إلى التعايش والتعاون بين البشر كافة، بعيدًا عن مظاهر الصدام والعزلة. وأكدت أن الدين الإسلامي يضع التنوع البشري كآية من آيات الخالق، مستعرضةً كيف أن الإسلام يشدد على الانفتاح والرحمة والمساواة بين الناس.

وأوضحت أن العالم اليوم يعاني أزمات خطيرة، كالحروب والنزاعات والكراهية، نتيجة غياب ثقافة الحوار وسيطرة خطابات الإقصاء والتطرف، مؤكدة أن الأديان - وعلى رأسها الإسلام - قادرة بمنظومتها القيمية والروحية على ترميم نسيج الإنسانية الممزق.
وشددت الدكتورة نهلة الصعيدي على أن الإسلام لم يكن يومًا عقيدة منغلقة، بل دعا منذ بزوغه إلى الانفتاح والرحمة والمساواة بين البشر، مؤكدة أن التعدد والاختلاف سنة إلهية ينبغي أن يكونا مدعاة للتعارف لا للتنازع، مستشهدة بقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا}.

وأشادت بالدور التاريخي للأزهر الشريف، الذي حمل عبر أكثر من ألف عام رسالة الوسطية والحوار بين الأديان، مشيرة إلى مبادراته العديدة لتعزيز العلاقات مع الكنائس الشرقية والغربية، وإطلاق منتديات فكرية مشتركة تعكس روح التسامح والانفتاح والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة.
وتطرقت إلى وثيقة "الأخوة الإنسانية" التي وقعها الإمام الأكبر مع قداسة البابا فرنسيس في أبو ظبي عام 2019، ووصفتها بأنها ميثاق إنساني عالمي للحوار والتعايش، يؤكد أن البشر إخوة في الإنسانية، وأن قيم العدل والرحمة والسلام واجب مشترك بين الجميع.
وأكدت أن الحوار في الإسلام ليس خيارًا دبلوماسيًا ظرفيًا، بل هو مبدأ قرآني راسخ، تجلى في قوله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ}، وقوله سبحانه مخاطبًا نبيه الكريم: {وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}.

وأوضحت أن الإسلام رسّخ لمفهوم التعايش القائم على الاعتراف بالآخر واحترام خصوصيته، متجاوزًا مفهوم التسامح المجرد، واستدلت بسيرة نبينا سيدنا {محمد صلى الله عليه وسلم} في المدينة المنورة، حيث وقع ميثاقًا مع اليهود ضمِن لهم الحرية الدينية والأمن الاجتماعي دون إكراه أو اضطهاد، بل أعطاهم الأمان وحرية العيش الكريم.
دور الأزهر في ترسيخ قيم الوسطية والحوار بين الأديان
وأشارت إلى أن الفقه الإسلامي وضع قواعد راسخة للتعايش السلمي، من أبرزها: "لهم ما لنا، وعليهم ما علينا"، و"الناس على أديانهم ومللهم، ما لم يظهروا منكرًا"، إضافة إلى أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم التي حرمت إيذاء أهل الذمة والمعاهدين، وجعلت الإساءة إليهم إساءة للنبي ذاته.
وبيّنت مستشارة شيخ الأزهر أن الحضارة الإسلامية انفتحت عبر العصور على مختلف الثقافات، فجمعت بين علوم الفرس وفلسفة اليونان وحكمة الهند وفنون الرومان، لتصوغ حضارة إنسانية جامعة، كانت جسرًا للتواصل لا سورًا للعزلة، مستشهدة بقول الإمام محمد عبده: "إنما يُمدح الدين إذا كان سببًا في الألفة، لا إذا كان سببًا في الفرقة".

وفي ختام كلمتها، وجهت الدكتورة نهلة الصعيدي نداءً من قلب الأزهر الشريف ومن أرض مصر، التي احتضنت الأنبياء والأديان والثقافات، إلى عقلاء العالم، قائلة: "تعالوا إلى كلمة سواء، نتعاون فيها على البر، ونتحاور بالعقل، ونتقارب بالرحمة، لنبني معًا إنسانية تتسع للجميع في ظل قيم السلام والعدل والتعايش".
ودعت إلى استلهام روح الإسلام الحقيقية لإحياء قيم الرحمة والتفاهم، من أجل مستقبل أكثر أمنًا وسلامًا للبشرية جمعاء.