الدكتور علي جمعة يحذر : الطاعة قد تفسد قلبك إن أعجبت بها

حذرت دار الإفتاء المصرية، على لسان فضيلة الأستاذ الدكتور علي جمعة محمد، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف ومفتي الديار المصرية الأسبق، من خطورة الإعجاب بالطاعة والتباهي بالأعمال الصالحة، موضحة أن معاصي القلب أشد فتكًا من معاصي الجوارح، وأن سلامة القلب هي الأساس الحقيقي لصحة الأعمال الظاهرة.
وشدد الدكتور علي جمعة على أن الإنسان قد يؤدي أعمالًا صالحة كثيرة، مثل الصلاة والصيام والصدقة وغيرها، ثم تفسد هذه الطاعات بسبب آفة العجب والغرور، مما يحول بينه وبين القبول عند الله عز وجل.
الطاعة قد تفسد القلب والمعصية قد تقود إلى الإنابة
أوضح فضيلة الدكتور علي جمعة أن الطاعات الظاهرة قد تتحول إلى معاصٍ قلبية خطيرة إذا لم ينتبه الإنسان، مشيرًا إلى أن الإعجاب بالطاعة والاعتماد عليها واحتقار من دونها من أخطر الآفات القلبية التي تفسد العمل وتحبط الأجر.
واستشهد بحديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم، الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه:
«وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللهُ بِكُمْ، وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ اللهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ».
وبيّن فضيلة الشيخ أن الإنسان قد يرتكب ذنبًا، فيؤدي به هذا الذنب إلى التوبة والانكسار والعودة إلى الله، فيكون ذلك سببًا في رفعه وقربه من الله تعالى، بينما قد تؤدي الطاعة المصحوبة بالعُجب إلى الاستكبار والغرور، فترد الطاعة ولا تُقبل.
حكمة ذهبية: ذل المعصية خير من كبر الطاعة
استدل الدكتور علي جمعة بحكمة الإمام ابن عطاء الله السكندري الشهيرة:
"معصية أورثت ذلًّا وافتقارًا خير من طاعة أورثت عزًّا واستكبارًا".
كما أوضح شرح العلامة ابن عباد الرندي لهذه الحكمة في "شرحه على الحكم"، قائلًا:
"إن الطاعة قد تقترن بآفات قادحة في الإخلاص، مثل الإعجاب والاحتقار للآخرين، فتكون سببًا للخذلان، بينما الذنب قد يقترن بانكسار القلب وتعظيم الله، فيُفضي إلى المغفرة والقبول".
وأكد الشيخ علي جمعة أن العبرة في الأعمال ليست بمظاهر الطاعة أو المعصية، بل بحقيقة القلب وحاله أثناء العمل، وأن المقاييس عند الله تختلف عن ظاهر أحكام الناس.
نصيحة ذهبية: لا تغتر بطاعتك وراقب قلبك دائمًا
أوصى فضيلة المفتي كل من يؤدي عملًا صالحًا أن يُخلص فيه النية لله تعالى، وألا يغترّ بطاعته ولا يتباهى بها أمام الخلق، مؤكدًا أن التواضع بعد الطاعة والانكسار بين يدي الله هو السبيل لنيل القبول والرضا الإلهي.
وشدد على ضرورة أن يراقب المسلم قلبه باستمرار، وألا يغفل عن دعاء الله بالتثبيت والإخلاص، مستشهدًا بقوله تعالى:
﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ [البينة: 5].
واختتمت دار الإفتاء المصرية فتواها بالتأكيد على أن الفوز برضا الله تعالى لا يكون بكثرة الأعمال فقط، بل بصدق القلب وإخلاص النية، وأن من علامة القبول دوام الشعور بالحاجة إلى رحمة الله مهما كثرت الطاعات.