عاجل

هل يخجل الرجال من الاكتئاب؟ دراسة تكشف السبب وراء عزوفهم عن طلب العلاج

الاكتئاب عند الرجال
الاكتئاب عند الرجال

تتزايد المخاوف بشأن الصحة النفسية في العصر الحديث، وتبرز بشكل خاص قضية الاكتئاب التي تؤثر على ملايين الأفراد حول العالم. ورغم أن هذا المرض النفسي يصيب الرجال والنساء على حد سواء، إلا أن هناك العديد من العوامل التي تجعل الرجال أقل استعدادًا للإفصاح عن معاناتهم، أو حتى طلب المساعدة الطبية اللازمة. كشف الباحثون في دراسة نفسية حديثة نُشرت في مجلة Sex Roles عن السبب وراء هذا الصمت الجماعي لدى الرجال، موضحين أن اعتقادهم الخاطئ بأنهم الوحيدين الذين يعانون من الاكتئاب هو أحد العوامل الأساسية التي تعيقهم عن السعي للحصول على العلاج.

الجهل الجمعي: حواجز نفسية تمنع الرجال من طلب العلاج

تناولت الدراسة ظاهرة نفسية تعرف بـ"الجهل الجمعي"، وهي الحالة التي يعتقد فيها الفرد أن مشاعره أو سلوكه يختلف عن الآخرين، رغم أن جميع من حوله قد يشاركونه نفس التجربة أو الشعور ولكنهم يخفونها. في حالة الاكتئاب، يعتقد العديد من الرجال أن بقية الرجال لن يطلبوا المساعدة أبدًا، مما يزيد من شعورهم بالعزلة. هذه الفكرة تؤدي إلى إغلاق الباب أمام الكثير من الرجال في طلب الدعم النفسي، بل وتمنعهم من الاعتراف بمعاناتهم، خوفًا من الوصمة الاجتماعية أو الظهور بمظهر الضعيف.

تفاصيل الدراسة: تصميم علمي متقن وتحليل دقيق للمشكلة

قام الباحثون في الدراسة بإجراء تجربتين علميتين لتسليط الضوء على سلوك الرجال فيما يتعلق بالاكتئاب وطلب العلاج. شارك في التجربة الأولى 2042 شخصًا من النرويج، حيث تم تقديم قصة تتناول شخصًا يعاني من الاكتئاب وطلب منهم تقدير استعدادهم الشخصي لطلب المساعدة النفسية في حال كانوا في نفس موقف الشخصية. بالإضافة إلى ذلك، طُلب منهم أيضًا تقدير مدى استعداد باقي الرجال والنساء لطلب المساعدة في المواقف نفسها.

النتائج: الرجال يعانون بصمت ويقللون من تقدير استعداد الآخرين للمساعدة

أظهرت نتائج الدراسة أن الرجال كانوا أقل استعدادًا للإفصاح عن رغبتهم في طلب المساعدة مقارنة بالنساء، كما أنهم كانت لديهم نظرة سلبية بشأن استعداد الرجال الآخرين لطلب الدعم النفسي. على الرغم من أن العديد من الرجال كانوا أكثر استعدادًا للإفصاح عن معاناتهم مما يعتقدون، إلا أن هذا المعتقد الخاطئ عزز من عزوفهم عن العلاج.

بالمقابل، أظهرت النساء نتائج مختلفة تمامًا، حيث كانت تقديراتهن لاستعداد النساء الأخريات لطلب المساعدة دقيقة للغاية. كان هذا بمثابة إشارة إلى أن النساء لا يعانين من نفس التحيزات التي يعاني منها الرجال، مما يعكس انعدام الجهل الجمعي بينهن عندما يتعلق الأمر بالصحة النفسية.

إخفاء العلاج في بيئة العمل والمجتمع: تأكيد للصمت الجماعي

في التجربة الثانية، استخدم الباحثون سيناريوهات مختلفة تظهر أشخاصًا يعترفون أو يخفيون تلقيهم علاجًا للاكتئاب في بيئات مختلفة مثل أماكن العمل أو بين الأصدقاء. وقد أظهرت النتائج أن الرجال كانوا أكثر ميلًا لإخفاء تلقيهم العلاج مقارنة بالنساء، سواء في الأوساط الاجتماعية أو المهنية. هذا الميل إلى إخفاء العلاج لا يقتصر على مجرد تجنب الوصمة الاجتماعية، بل يعزز أيضًا من شعور الصمت الجماعي حول الصحة النفسية. وعندما يظل هذا الموضوع طي الكتمان، يصبح من الصعب على الأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب الخروج من دائرة الصمت التي تحيط بهم.

النتائج تؤكد التناقض بين القيم والسلوك: الكل يؤمن بالإفصاح، ولكن لا يفعلون ذلك

ومن الجدير بالذكر أن معظم المشاركين في الدراسة، رجالًا ونساءً، اتفقوا على أهمية الإفصاح عن تلقي العلاج النفسي باعتباره خطوة هامة نحو تعزيز الصحة النفسية. ومع ذلك، أظهرت النتائج أن هؤلاء المشاركين أنفسهم لم يلتزموا بما يؤمنون به. فبينما يعتقد الجميع أن من الضروري أن يعترف الشخص بتلقيه العلاج النفسي، فإنهم في الواقع يترددون في تطبيق هذا المبدأ في حياتهم اليومية، خوفًا من أن يُنظر إليهم على أنهم ضعفاء أو غير قادرين على مواجهة تحديات الحياة. هذا التناقض بين القيم والسلوك يعكس الخوف من الوصمة الاجتماعية وليس قناعة بعدم جدوى الإفصاح عن الصحة النفسية.

دور الوعي الاجتماعي: الدعوة لتغيير المفاهيم المرتبطة بالرجولة والصحة النفسية

وأخيرًا، أوصى الباحثون بضرورة تغيير المفاهيم الاجتماعية حول الصحة النفسية عند الرجال. فقد أكدوا أن نشر التوعية بأن "الرجال أيضًا بحاجة للمساعدة" يمكن أن يكون له تأثير كبير في كسر حاجز الصمت حول الاكتئاب والمشاكل النفسية. كما أشاروا إلى ضرورة تصحيح التصورات الخاطئة المتعلقة بالرجولة، مؤكدين أن طلب المساعدة لا يعد ضعفًا، بل هو خطوة قوية نحو تحسين الصحة النفسية والقدرة على مواجهة التحديات الحياتية.

أهمية كسر الصمت وتعزيز الوعي

تشير هذه الدراسة إلى أن الرجال بحاجة إلى بيئة داعمة تشجعهم على الإفصاح عن معاناتهم النفسية، وتساعدهم على تجاوز العوائق النفسية والاجتماعية التي تمنعهم من طلب العلاج. إن توعية المجتمع بأهمية الصحة النفسية، وخصوصًا لدى الرجال، يمكن أن تلعب دورًا حاسمًا في تمكينهم من الحصول على العلاج اللازم وتخفيف معاناتهم بشكل فعال.

تم نسخ الرابط