
قانون جديد لم يمر عبر برلمان، ولم يشهد نقاشًا ولم يقره أحد، لكن يكرهه كل أحد فقط في حالة اصطدامه به، وبينما يحظى برفض جماعي إلا أن الجميع يتواطأ على العمل به .. وقبل أن يسترسل خيالك وتظن أني أتحوط في كتابتي من مخاوف ما فأؤكد لك أني أتحدث عن "قانون حياتي" يهلك الحرث والنسل بات عنوانًا لمعيشتنا اليومية دون اتفاق معلن، ذلك القانون سميته قانون "سلك نفسك" وهو وسيلة ذات طابع اقتصادي اجتماعي لم يعرف له صاحب أو واضع بل ولد من أب اسمه "الظروف" وأم اسمها "الحاجة".
يقوم القانون هذا على مبدأ يعرف بـ"المسئولية المتزحلقة" حيث يتبارى الخاضعون تحت ولاية هذا القانون في تمرير المسئولية دون تبعات أو ضرر ويفسد المبدأ الراسخ وهو "لا ضرر ولا ضرار" ليحوله إلى "لا ضرر لكن إضرار" ولم يكن هذا التحول مفاجئًا بل يأتي كنتيجة منطقية لأوضاع تتداعي تداعيًا حرًا لا يعلم أحد إلى أين ينتهي أو إلى أين يتوقف ما يترتب عليه.
فقد عرفت الأسواق منذ أن "عام" الجنيه ما يعرف بإزاحة المسئولية في ظاهرة فيزيائية عجيبة حيث تبرأ الجميع من التضخم كما يتبرأ المغتصب من طفل مغتصبته، وتنشط هذه الظاهرة غالبًا بعد كل تحريك لأسعار المحروقات حيث تتنقل الزيادة تحت قانون الأواني المستطرقة إلى أن ترسو على جيب المواطن الذي يبدو اليوم هو الوحيد الذي يكابد لتخفيف أعباء فئات مجتمعية عديدة، بدءًا من صاحب التوك توك اللي بيوصله الشغل، ومرورًا ببتاع الخضار اللي النقل غلى عليه الأسعار فقرر يضاعف الأسعار، وانتهاء بمنتجات ارتفع سعرها وهي ما زالت على أرفف المخازن في إجراء تحوطي من التجار الذين لا يكترثون إلى زيادة أو نقصان في سعر المحروقات، لأن المواطن واقف وقفة رجالة وبيسد الفجوة التي تؤرق منام الحكومة التي لا تفوت الفرصة لتوجيه الشكر للمواطن على صبره وحكمته في سبيل تحقيق الأحلام.
ظاهرة عجيبة جدًا وهي "زحلقة" المسئولية يتبعها الجميع وسط فوضى تسعير هائلة لا أرى أي بادرة أو جهد لوقفها لينتهي الأمر عند حد بعض الحملات التي تلي صبيحة أي قرار ذي أثر اقتصادي على حياة المواطن، وهي جهد مشكور لكنه لم ينجح في ردع ظاهرة "سلك نفسك" التي يتبعها البعض - بدءًا من الحكومة التي سلكت نفسها إزاء فجوة تمويل المحروقات بزيادة الأسعار المستمرة معنا كلما ارتفع الدولار وانخفض الجنيه – ومرورًا بتجار تواطئوا على دفع كل خسارة إلى المواطن حتى لا تتأثر أربحاهم وانتهاء بخدمات يومية تزيد أسعارها دون أي معايير أو منطق ودون حساب رادع.
المشكلة الأخطر هو أن ظاهرة "سلك نفسك" التي باتت شريعة الكل اليوم ليس لها نتيجة إلا أن يكره بعضنا بعضًا، وأن يتخلى البعض منا عن تشارك المسئولية في سبيل تجاوز الأزمة الاقتصادية الضاغطة على الكل، فالمواطن يكره الحكومة التي قررت ويكره البائع الذي رفع عليه سعر السلعة، والبائع يكره التاجر الذي يبيع له السلعة بسعر مرتفع، والتاجر يكره المنتج الذي أبى أن يقلل من هامش ربحه، وسائق التوك توك يكره من حرك سعر السولار وقطع الغيار وهكذا..إلخ ..ندخل في سلسلة من الكراهية غير المعلنة يضمرها كل منا في صدره تجاه الآخر، وبالتالي ومع مرور الوقت تتراجع مساحات الصبر الذي يجمعنا وهو أمر لا أريد أن أمنح خيالي الفرصة ليسترسل في تصور نتائجه.
إن مواجهة الضغوط التي تواجهها الدولة وهي في طريق إصلاح اقتصادي شاق قطعنا فيه أشواطًا طويلة لا يمكن أبدًا أن تكون عبر قانون "سلك نفسك"، فالمسئولية والتحديات لا يتم تحجيمها إلا بتشارك وتوافق مجتمعي، أما أن ننقسم إلى فريقين أحدهما لا يريد أن يخسر شيئا وفريق يخسر كل شيء لن يسفر إلا عن خلل لا تحمد عقباه بل يجب أن يدفع كل منا جزءًا من ثمن الإصلاح فلا الحكومة وحدها ولا التاجر وحده ولا المواطن أيضًا لوحده، وإن نجحنا بتوافق مجتمعي يغذيه إعلام واع يشد على يد المصلح ويشجعه ويشرح دوافعه وفي نفس الوقت يكون سيفًا مسلطًا على كل مستغل
أومتربح أومطنش لخطورة التخلي عن المسئولية سنحقق المعادلة ونجني الثمار، فلا سبيل لنا إلا أن نكون صفًا واحدًا وبنيانًا مرصوصًا يشد بعضه بعضه لا يصعد بعضه فوق رقاب البعض.